الإنجاز هو أنْ يَبْقى ظِلُّك شَامِخًا حِينَ تَخْتَفِي الوُجُوهُ وتَتَلَاشَى الأَصْواتُ من حَوْلِك، أنْ تَبْقَى بِعَيْنَي نَفْسِك ثابتًا كما تُحِبّ أنْ تَرَى وتُرَى، وهو أن تَمْتَلِئ بالرّضا كَيْفَمَا الْتَفَتّ وأَيْنَمَا رَنَوت.
الإنجاز هو أن تشعر بروحك مُرَفْرِفة بين جَنَبَاتِ القلوب التي أَحَبّتْكَ بِصِدْق، ألّا تَسْمَح لمُبغضٍ أن يُسَطِّر دَرْبَك، وألّا تَسْمَحَ لِهَفْوَةٍ أنْ تُعِيقَ تَقَدُّمَك،أن تُدِير وَجْهَك لكلِّ ما يُؤذِيكَ غَيرَ آبِهٍ بما كان يَعْنِيك.
الإنجاز هو أن تُدرِكَ أنّ الطريقَ طويلة ووَعرَة، وأنْ تعرفَ أنَّه لا وصول، الإنجاز هو ألّا تنتهي دَوافِعُك، وأن تكون قادرًا على إِشْعَال جُذْوَتها حين تُطفِئ الريحُ مَواقِدَك.
الإنجاز بكلمة واحدة هو السّعادة بما بَدَأتَهُ وأَتْمَمْتَه على وَجْهٍ مُحَقّقًا به لَذّةَ الوصول الآنِيّ، ولَذّة التَّغلبِ على مَخَاوِفك، والشّعور بالتفوّق على نفسك قبل كلّ شيء.
في الحديث عن الإنجاز تَخْتلط الأوراقُ وتَتَعثَّر الرُّؤى ويصبح من العَسيرِ التَّمييز بين الغايات والسُّبُل، وقد تبدو بعض الوسائل غايات حين تَتِيْهُ الخيالاتُ وتَتَوَارى الحُجُب.
كم مرة في اليوم يجب أن تتذكر لماذا أنت ما أنت عليه الآن؟ ولماذا تفعل ما تفعله؟ لا انْفِكَاكَ بين السؤالين الأَزَلِيَّين: ماذا أريد؟ ولماذا أريد؟ ولعلّ أكثر الناس تعثرًا هم الذين يستوقفهم هذان السؤالان في وَمْضَة من صَحْوَة نَفْسٍ فيهربون منهما إلى السؤال: كيف السَّبيل؟ ثم يغدو السَّبيل هدفًا، ثمّ تَمْتزج الألوانُ فيصبح تحقيق هذا الهدَف إنجازًا! وينسون حقَّ أنفسهم في مُتعة الطريق!
الإِنْجَازُ والزَّواجُ والأُمُومَة
الظَّنُّ الغالب لدى كثيرٍ من النِّساء والفتيات أنّ الزواجَ والأمومة يَتَنَافَيَان مع رغبة المرأة بتحقيق ما تَصْبُو إليه نفسُها من نَجاحٍ عَمَليّ أو أَكَادِيمي، فتُعرِض بعضُهن عن خَوض الأمرين معًا، ويَبْقَى لِتَرتِيبَات القَدَر لَدَيهنّ الحَسْمُ في ذلك. وتَظُنّ أُخرياتٌ أنه من الواجب على المرأة حين تكون زوجةً وأمًّا أن تنسى طُموحاتِها وتَضَعَها على رفِّ التَّأجيل حِينًا من الدّهر، قد يمتدُّ حتَّى لحظةِ فراقِ عالمِ الإِنْس.
وتُعزّي أُخريات أنفسَهنّ بفكرةٍ فَحْوَاها أنّ اللواتي يَسِرن في الطريقين معًا لا بدّ مُقصِّرات فيما لا ينبغي التقصير به من واجبات الزوجية والأمومة. والحقيقة أنّ الأمْر أبسط من ذلك بكثيرٍ لكن البداية حَسّاسة بعض الشيء، فحين تَعِي المرأةُ مَوَاطن قوّتِها وحجم إمكانياتها ومدى قدرتها وقدرة من حولها على استيعاب الأمرين؛ يهون الأمرُ ويغدو طبيعيًّا حين يشوبه تقصيرٌ أو لا ينتهي بنجاح ساحق ماحقٍ للأنظار، وحين ينتهي برضا عمّا قُدِّم وعمّا حُصِل عليه وفقًا لذلك، متجذّرًا برضا عميق بقَدرٍ لا تملك يَدُ الإنسان مهما بلغ تغييره أو تحويره.
أَسْوَأ ما يقع فيه النّاسُ من تَشْوِيه للغايات هو أن يغدو الاسْتِعراضُ بحدّ ذاته هدفًا بغضّ النظر عن أهمّية الإنجاز أو بساطته أو سخافته، وفي ذلك لا حقّ لأحد أن يُصادرَ ما يراه الآخرون إنجازًا، إلّا أن يكون حَيْدًا عن طريق يُودِي بشباب أمتّنا إلى الرضا باللامعنى والغَوغَاء.
ويبقى السؤال: هل كلّ النساء قادرات على السير في الطريقين معًا؟ طبعًا لا، فالأمر مَنوطٌ بالقدرة وباختلاف البشر فيما يُسِّروا له.
والسؤال الأهم: أيّهما هو الإنجاز؛ النجاح في تحقيق زواج مستقر والتنعّم بالأمومة وإيْتَائِها حَقّها، أم النَّجاح في المَجَال العِلْميّ أو العَمَليّ؟ والجواب هنا لا يمكن أن يكون ثابتًا، فهو مختلف اختلافَ البشر والآراء والأفكار، ونَوَاتُه ترجع مرة أخرى إلى شعورنا بالرّضا عمّا فعلناه ونفعله استنادًا إلى منظومةٍ تحكم النّيّة قبل الأداء وتنظم آلية الفعل في أثناء المَسِير.
مفهوم الإنجاز في وسائل التواصل الاجتماعي
إنّ المتصفّح لوسائل التواصل الاجتماعي يرى بوضوحٍ كيف غَدَتْ في جانب منها ساحةً للحديث عن الإنجازات ومشاركتها، ويا مرحبًا بإنجاز يُسعِدنا على المستوى الجَمْعِي بِوَصْفِنَا –إذا جاز التعبي- أُمّة تُقاومُ للنّهوض. لكن أَسْوَأ ما يقع فيه النّاسُ من تَشْوِيه للغايات هو أن يغدو الاسْتِعراضُ بحدّ ذاته هدفًا بغضّ النظر عن أهمّية الإنجاز أو بساطته أو سخافته، وفي ذلك لا حقّ لأحد أن يُصادرَ ما يراه الآخرون إنجازًا، إلّا أن يكون حَيْدًا عن طريق يُودِي بشباب أمتّنا إلى الرضا باللامعنى والغَوغَاء.