نرى بين الفينة والأخرى من كان مسلما نشأ في أسرة مسلمة في بلد مسلم ثم فجأة تجده يطعن في ثوابت الدين، ويسخر من شعائره تزلفا وتقربا من بعض الجهات، ثم نراه يمشي بين الدول مفتخرا متباهيا بما نالَ من حظوة ، ونسي البائسُ أن ما حصله عرضٌ قليلٌ، ومتاعٌ زائلٌ، وأنه خَسِرَ دينه قبل أن يربح ما ربح، إن جاز أن يسمى ذلك ربحًا.
ومهما كان ذلك الذي يتقاضاه ثمنًا لذلك فهو نزر قليلٌ، بل أقلُ مِنَ القليلِ؛ وقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عن الدنيا بما حملت : ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح بقوله:
«بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا».
وهو هنا بقوله صلى الله عليه وسلم
(بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا): أي سابقوا وسارعوا بأعمالكم الصالحة فتنا سوف تداهمهكم وتصدكم دون العمل الصالح والثبات عليه، والفتن عموما على قسمين: فتن شبهات وعلاجها العلم، وفتن شهوات وعلاجها الإيمان.
وهذه الفتن من شدتها وسوادها كقطع الليل المظلم فالنبي صلى الله عليه وسلم شبهها بأجزاء الليل المظلم الشديد لسوادها وظلمتها، لأن وصف الليل بالمظلم تأكيد لهذه الشدة، وفيه كناية عن انبهامها وأن يحذر المسلم منها باصطحابه أنوار العلم وضياء الحق ومصابيح الوحي وسرج الإيمان.
وانظر هنا إلى سرعة التحول المدهشة فقد يكون التحول بين الصبح والظهر أو بين الظهر والعصر فهو تحول وانتقال مفاجئ يحدث في هذه المدة القصيرة من شيء عظيم وهو أعظم نعمة أوتيها المسلم إنه التحول والانتقال من دينه والكفر به وليس من بيت لبيت أو من عمل لعمل آخر ...لا ..
بل تحول خطير جد خطير، تحول يخسر بسببه دنياه وآخرته _ والعياذ بالله_ .
وهذا التحول بحسب ظني ناتج عن ضعف الإيمان بالله والعلم به وسيطرة حب الدنيا والتطلع للجاه وعشق المال والاغترار بزخرف الحضارة الغربية.
إن هناك معضلة تواجه بعض الشباب العربي المسلم وهي مشكلة المقارنة بين بلدان الغرب وبين بلده تلك المقارنة التي يصحبها الانبهار بتقدم الغربين وحضارتهم وترقيهم في مدارج العلوم المختلفة، وبين تخلف بني قومه من المسلمين وتأخرهم، قد تكون هذه المقارنة دافعاً له لفقدان الثقة في قدرة الإسلام على تحقيق التقدم والإنجاز والنهضة وعندئذٍ يتسرب إيمان بعضهم. وهذا في الحقيقة ظلم لدين الإسلام، فالغربيّون تقدموا لأنهم اجتهدوا وسعوا في حين تأخرنا نحن لأننا تكاسلنا وعجزنا ولا دخل للإسلام في هذا فهناك قوانين كونية لا تحابي أحدا من أخذ بها نجح..
وتركز الجهات التي تدعم الملاحدة على استقطاب بعض الفئات الشبابية الذين همهم إشباع رغباتهم ونزواتهم وشهواتهم ثم توجيه الأدوات الإعلامية لهم لينفثوا سمومهم حتى يصوروا للناس أن الإلحاد هو المذهب الوحيد الذي يمنحهم حريتهم الجنسية، وهم بذلك يرغّبون في مسلك الإلحاد ليخبروا من خلفهم أنهم وجدوا طريقا في التحلل من الدين وقيود الحلال والحرام والبحث عن إشباع شهوات النفس في المتعة الحرام حتى لا يشع من يسلك طريقتهم بتأنيب النفس والهروب من قضية الحساب واليوم الآخر ومراقبة الله.
إن قضية التحول السريع أصبحت غير خافية اليوم في ظل التقدم التكنولوجي والتقني فهناك بعض الشباب يخلو في غرفته وقد أغلق الباب على نفسه أياما قلائل ثم تتفاجأ في أول لقياك به بما يحمل من فكر عجيب وشك وريبة في دينه ذلك أن الشباب اليوم على دين إعلامهم لا على دين ملوكهم كما كان في السابق..
الصورة اليوم وحدها بتقنيتها العالية وحركتها السريعة من أقصى الأرض لأقصاها في أقل من الثانية قد تهدم ما بنيته أنت لسنوات في عقلية ولدك وهذا يبين لنا أيضا سر السرعة في التحول المشار إليه في الحديث النبوي لذا لابد من التسلح الكافي بالعلم والإيمان والإعداد الجيد للمد الإلحادي القادم من الغرب.