كل طفل يولد على فطرة، وحين يصير تلميذا في المدرسة يتعلم أحد الأمرين: إما أن يحب التعلم والقراءة كلعبة ممتعة لا يود أن تنقضي أو أن يكرههما كإلزام يومي يتمنى متى ينتهي. فإذا كنت ممن خرج من المدرسة سالما من عيوب التعليم النمطي، واعيا بطفرة المناهج والهوة بينها وبين ما تحتاج فعلا، مدركا لأهمية التعلم مدى الحياة فأنت محظوظ حقا!
فلا شك أن حب التعلم المستمر من النعم الكبيرة التي قد تكون هبة من الله لبعض الأشخاص، كما قد تكون دُربة لآخرين بتشجيعهم في سنوات تعلمهم الأولى من طرف آباءهم ومدرسيهم وبعض من حولهم من الأصدقاء والزملاء في المدرسة والأندية وغيرهما.
ولعل لطرق التدريس أيضا وبيداغوجيات التربية والتعليم دور أساسي في صناعة عقلية الطفل وتوجيه اهتماماته نحو الكتاب وتحبيبه التعلم.
إن من أهم الاستثمارات المعطلة التي ينبغي لكل أطراف المنظومة التربوية السهر على إشعال فتيلها لدى التلميذ، الاستثمار في التعلم وفي بناء المعارف عن طريق توفير وسائل إبداعية تجعل الطالب يحب التقاط حبات المعرفة كحبه التقاط صور السيلفي في كل مكان. وعلى الأسرة وضع ميزانية خاصة للكتب كل شهر أو كل سنة وتخصيص مكان للمكتبة المنزلية وتوفير بيئة مناسبة للطفل كي يُربى على عشق التعلم حسب الوسائل والموارد المتاحة، فكلما تعلم الإنسان أكثر إلا وزاد إدراكا وابتكر.
وأذكر أن والدي رحمه الله، كان يولي للكتب والعلم أهمية عظمى، وقد يخاصمك على الإسراف في أي شيء إلا الإسراف في شراء الكتب، وربانا على تلقي المعرفة من الكتاب أكثر من مشاهدة التلفاز، لدرجة أنه في المرحلة الثانوية كان يعطيني المصروف لاقتناء حاجياتي من الملابس والأحذية فأقتني الكتب بدلا منها، ولم يقل لي قط: لماذا؟
عزيزي المربي، هناك فرق شاسع بين أن يكبر ابنك ويجد نفسه محاطا بالكتب وحين يبحث بينها يجدك، وبين أن يكبر مع وسائل التكنولوجيا من تلفاز وحاسوب وهاتف ذكي وحين تختبر يوما ما ذكاءه تجده أقل ذكاء من هاتفك!
فمن العيب أن ترى وتسمع في كل منزل معظم وسائل الترفيه واللعب ولا تبصر أدنى وسيلة للتثقيف ولا تسمع ركزا لأقل منبع يمكنه أن يغذي العقل، ومن العيب أيضا أن تجد لنفسك وقتا لكل شيء إلا للقراءة والمطالعة مع أبناءك وتربيتهم على نور العلم والمعرفة.
ينتهي التعلم الرسمي عادة بعد حصول الشخص على مستوى تعليمي أو أكاديمي من اختياره، ما عدا إذا كانت قوانين بعض البلدان تُلزم التعليم إلى مستوى معين. وتبدأ المتعة الحقيقية للتعلم بعد انقضاء مرحلة التعليم الرسمي مباشرة، حين يقرر الإنسان تعلم شيء جديد بهدف تطوير ذاته أو تنمية قدراته أو بغرض اكتساب معارف جديدة لتوسيع مداركه والتدرب على مهارات دقيقة تساعده على رفع أداءه في عمله أو بلوغ مستويات عليا في إنجازه لمشاريعه.
من وسائل التعلم غير الرسمي الأكثر شيوعا وانتشارا في الآونة الأخيرة، منصات التعلم عن بعد بنظام المساقات (MOOC)، حيث تتيح للمتعلم إمكانية دراسة مساق معين حسب اختياره وميوله وحسب الوقت المناسب له وفي أي مكان يريد مع اختيار أي وسيلة أو أي جهاز مناسب له دون تكاليف ولا شروط ولا عراقيل.
كما تتجلى إيجابيات هذا النظام في تنوع الوسائل التعليمية التي تطرح بها، باستعمال الطرق الحديثة في إيصال المعلومة من خلال الصور المعبرة والانفوجرافيك والفيديوهات الاحترافية القصيرة والفلاشات التفاعلية، كل هذا يساهم بامتياز في اكتساب معارف مركزة مقدمة من أخصائيين وأكاديميين ذوو خبرة في مجال تخصصهم.
يمكن للمنتسب لهذه المنصات أيضا أن يناقش مع زملائه ما قُدم له خلال المساق وذلك لإغناء المعلومات المكتسبة، كما يمكنه طرح موضوع للنقاش أيضا أو الاستفسار على ما أشكل عليه طلبا لتوضيح مفهوم أو تطوير فكرة.
فتفاعل المتعلمين مع بعضهم بالتعليقات نقطة قوة خصوصا إذا علمنا تنوع مستوياتهم الأكاديمية ونضجهم الفكري فضلا عن إمكانية التواصل معهم ومشاركتهم ما تعلموا مع بعض عبر صفحاتهم الاجتماعية.
إن أغلب منصات التعلم الاحترافية تعقد شراكات مع جامعات رسمية ومعاهد متخصصة ومدارس عليا، إذ يقدم بعض الأساتذة والمحاضرين في تلك المؤسسات كورسات احترافية مرفقة بمراجع علمية وأدبية لإغناء المكتبة الالكترونية للمتعلم أو حتى لصيد الكتاب إن توفر في السوق الورقية، كما قد تتاح لك فرصة زيارة بعض تلك المؤسسات أو شريكاتها من جامعات دولية.
صممت مواقع التعليم الالكتروني بطريقة تجعل من عملية التعلم متعة، ولتحفيز المتعلم وتشجيعه وضعت اختبارات بعد كل جزء من المادة التعليمية، اختبارات غالبا ما تكون أسبوعية إضافة لاختبار في نهاية كامل المساق، وذلك لتأكيد المعارف المكتسبة واكتشاف نقاط الضعف في المادة مع متابعة تقدم المشارك لعلاماته.
أما إذا كان المتعلم من محبي الشهادات، فإن الحصول على شهادة إلكترونية لإتمام مساق معين ممكن بعد أن يجتاز اختباراته بنجاح وبالحد الأدنى المطلوب وفي الوقت المحدد لها، كما أن بعض المنصات -خصوصا الأجنبية- تتيح إمكانية إرسال الشهادة الورقية الصادرة من الجهة المقدمة للمساق لكن بعد تسديد رسوم رمزية.
قد أضحى من أولى الأولويات أن تتصفح منصات التعليم المفتوح وتضع بعضها ضمن قائمة روابطك المفضلة، خصوصا وأنها متاحة بلغات متعددة وفي مجالات متنوعة، يكفي أن تختار مجال شغفك فحتما ستجد ما تريد بأي لغة شئت، ومنها اللغة العربية كمنصة «إدراك» على سبيل المثال ومنصة «رواق» ومنصة «أكاديمية عمران».. وغيرها الكثير.