إذا أردنا أن نصِف واقع الأمة فيمكن حصره مجازًا في ملعب كرة قدم، لم يحضر الخصم لأنه وجد أهدافًا أهم من أجل مستقبله، ولكنه أرسل عملاءه منّا ليكون لهم دور محدد بعد بداية اللعب، فانقسمنا إلى أكثر من فريق وقررنا أن نعمل تكتلات السيطرة والحقد والجهل لكي نلعب في الملعب جميعنا بلا استثناء، لأنه لم يرضَ أحد منا اللعب بالدور إلا إذا كان دوره الأول، لذلك بدأ البعض بالدفع من أجل الحصول على مؤيدين، فعمّت الفوضى وبدأ اللعب...؛ فقام العملاء بإزالة الأهداف من الملعب، فأصبحنا نلعب بلا أهداف سوى أهمية صورة وجودنا في الملعب، لا يساند بَعضُنَا بعضا، كل ما يهّمنا ليس تقدمنا ولكن حريصين أن لا يتقدم إخوتنا علينا، فأصبحنا ننعق في كل وادٍ؛ نمارس التخلف، نرفع شعار الغباء ونعزِّز الجهل.
قد نكون بالغنا ولكن للأسف هذا الأقرب لواقعنا، ولكن هل نمتلك مقومات نهوض الأمة؟ الجواب "نعم" بكل تأكيد، وأغلبنا يحصرها في مقومات كثيرة من دين ولغة وسكّان وجغرافيا وتاريخ ومناخ وثروات وموارد وفكر...؛ ونحن في الواقع أمةٌ لايحصرها سكان ولا جغرافيا، ومع ذلك قامت النهضة الأمريكية ليس بكل ما نملك من مقومات، وقام الروس بجزء مما نملك، وقامت دول صغيرة جدا مثل سنغافورة بلا مقومات مقارنة بمقوماتنا.
قد يقول قائل أنهم لا يستمرون، ونحن لسنا في قضية الاستمرار في النهوض، لأننا نستمر في التخلف منذ ٤٠٠ سنة، وإنما نحن في قضية النهوض بالأمة، ولماذا لم ننهض طول هذه الفتره الماضية؟، على الرغم من وجود محاولات خجولة هنا وهناك، إلا أن النتائج بشكل عام ما زالت متدنية، والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة؛ أمة عظيمة في رقعة جغرافية كبيرة ومهمّة وتمتلك الموارد والثروات ولديها أعظم الأديان والمنهج الرّباني في الحياة، لماذا لا تنهض؟.
هل هي مشكلة فكر؟ أو مشكلة قيادات؟ أم ذكاء؟، شخصيًا لا أعتقد أن لذلك سببٌ في خير أمة أخرجت للناس، ولكن تكمن مشاكلنا في الأهداف والأخذ بالأسباب واستخدام الأدوات الصحيحة، ما هي الأهداف التي يجب أن تعمل عليها الأمة؟ حتما سنختلف اختلافًا كبيرًا في هذه المسألة وربما سنحتاج لأكثر من جيلين لوضع أساس نتفق عليه، ولكن بما أن الفرد هو حجر الرحى ومحور التنمية، لماذا لا يكون هدفنا الفرد بحيث نركّز أهدافنا عليه من أجل التنمية، لأن النهضة تحتاج تنمية والتنمية تحتاج فردًا قادرًا عليها، لذلك جميع أهدافنا يجب أن تصبَّ لصالح تأهيل وتمكين الفرد.
إذا اتفقنا على أهمية تأهيل وتمكين الفرد، سنحتاج إلى الإبداع والابتكار في طرق الأخذ بالأسباب من أجل الوصول إلى الغاية، لذلك سنحتاج أدوات تناسب المواطن البسيط في الشارع، مشكلتنا خلال الفترة الماضية؛ الخطاب الفكري المرتفع عن التأثير في الفرد العادي في المجتمع، ممّا سمح لأصحاب الفكر المنحطّ من التأثير المباشر على الأفراد بسبب استخدامهم لأدوات يفهمها الشخص البسيط فيتأثر بها، لذلك علينا البحث عن الأدوات المناسبة والفعّالة التي يستطيع الفرد التجاوب معها لهدف تمكينه وتأهيله.
بلا أدنى شك؛ نحتاج إلى تعزيز القيم في المجتمع وزيادة فعالية وإنتاجية الفرد، الكثير من القيم التي نتكلم عن مثاليتها في الإسلام واقعها على الأرض سيّء جدا
عندنا أزمة كبيرة في القيم؛ كالصدق والأمانة والنزاهة والإخلاص وأيضا لدينا مشكلة في أدوات تطبيقها على الأرض، لذلك وجب استحداث جذري وتطوير متجدد للأدوات المستخدمة في التربية والتعليم والتدريب، بحيث يظهر تأثيرها بشكل ملموس على القيم عمليًا لا نظريا، والمشكلة الأخرى مع تطوير أدوات الجانب التعليمي والتدريبي؛ هي تطوير أدوات الجانب الاقتصادي للفرد، كلما كان هناك توجه لتعزيز القوة المالية للفرد بمشيئة الله سوف يكون أكثر قدرة على التمكين والنهوض بمجتمعه، وبدورها المجتمعات هي من سوف تنهض بالأمة.
نهضتنا قامت على القيم ومن أجل أن تنهض من جديد نحتاج إلى أساليب غير تقليدية لتعزيزها.
نستطيع أن نلخّص ما سبق في عدّة نقاط؛ أولا أن الفرد هو الهدف الأساسي لنهضة الأمة، ثانيا أن الأدوات والأساليب المستخدمة في كل المحاولات السابقة لنهضة الأمة غير عملية وغير فعّالة على أرض الواقع، وثالثا ورابعا أدوات وأساليب التربية والتعليم والتدريب الحالية لا ترقى لمستوى نهضة الأمة، لذلك هناك حاجة لأدوات عبقرية لها مفعول السحر للنهوض بهذا القطاع، وأخيرا تعزيز قوة الفرد ماليا من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال مفتاح قوي لنهضة الأمة، ولكن ما أسهل الكلام وما أصعب التنفيذ، إلا إذا كان هناك تخطيط محكم وتنفيذ أمين وبطرق متجددة، ونسأل الله للجميع الخير والبركة.