يعتبر تقرير التنافسية العالمي تقييمًا سنويًّا للعوامل المساعدة على الإنتاجية والرخاء والنمو الاقتصادي في 137 بلدا، حيث أنه حتى بعد عشر سنوات من الأزمة المالية العالمية لا يزال القطاع المالي ضعيفاً. وفي المقابل اتضح أن الكثير من البلدان استطاعت أن تجني الفوائد من الابتكار، غير أن الطريق لا يزال بعيدا للاستفادة القصوى من هذه المنافع، لذا سنتطرق لأحد المعايير التي تدخل ضمن هذا التقرير وهو معيار البيئة الماكرو اقتصادية.
البيئة الماكرو اقتصادية
إن إستقرار البيئة الماكرو اقتصادية مهم للأعمال، ولذلك فهو مؤثر في التنافسية الإجمالية لبلد ما. ومع أنه من المؤكد أن الاستقرار الماكرو اقتصادي وحده لا يستطيع أن يزيد إنتاجية شعب ما، إلا أن المسلم به، هو أن عدم الاستقرار الماكرو اقتصادي مضر بالاقتصاد، كما شهدنا في السنوات الأخيرة، لا سيما في الإطار الأوروبي.
فالحكومة لا تستطيع أن توفر الخدمات المجدية إذا كان عليها أن تدفع فوائد مرتفعة على ديونها الماضية. وعجز الموازنات يحد من قدرة الحكومة في المستقبل على التعامل المناسب مع الدورات (cycles) في بيئة الأعمال. ولا تستطيع الشركات أن تعمل بجدوى حين تكون نسب التضخم فوق الاحتمال. وفي الإجمال، لا يستطيع الاقتصاد أن ينمو نمواً مستداماً إلا إذا كانت البيئة الماكرو اقتصادية مستقرة. وقد لفت الاستقرار الماكرو اقتصادي أخيراً انتباه الجمهور، عندما احتاج اقتصاد بعض البلدان المتقدمة، لا سيما الولايات المتحدة، وبعض البلدان الأوروبية، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحيلولة دون اهتزاز الاستقرار الماكرو اقتصادي، حين بلغت نسبة ديونها العامة مستوى غير مستدام، في إثر الأزمة المالية العالمية.
كيف يتم قياس البيئة الماكرو اقتصادية؟
يتم قياسها بمعايير خمسة وتشمل:[1]
1-رصيد الموازنة الحكومية (Government Budget Balance): هـي تقـدير مفصـل معتمـد للنفقات والإيرادات العامة عـن فترة مالیة مستقبلية غالبا ما تكون سنة، ويمكن القول أن الموازنة العامة ما هي إلاّ مشـروع حتـى یـتم اعتمادهـا مـن طـرف السلطة التشریعیة لتصبح عبارة عن میزانیة.
ولها أهمیـة كبیـرة فـي الاقتصـاد، حیـث یـتم الاعتمـاد علـى الضـرائب كنـوع مـن أنـواع الإیـرادات المستخدمة لتمويـل النفقات، التـي لهـا تـأثیرایجابي في العديد من المجالات الاقتصادية، حيث ُیوَجَه جزء منها لزيادة الاستهلاك خاصة للفئـة العاطلـة عـن العمـل ممـا یسـاهم فـي بنـاء مشـاریع اسـتثماریة تسـمح بالقضـاء علـى مشـكلة البطالـة، وهذا مـا یمكـن الدولـة مـن تحقیـق زیـادة فـي معـدلات النمـو الاقتصـادي فاسـتقرار الاقتصـاد، غیـر أن العدیـد مـن الـدول خاصـة النامیـة منهـا تسـعى إلـى تخفیـف عجـز الموازنـة مـن خـلال ترشید النفقـات وزیـادة الإیـرادات .
2-إجمالي الادخار القومي(Gross National Saving): الادخار القومي هو الادخار المحلي مضافا إليه صافي عوائد الدخل مع العالم الخارجي. ومفهوم الاستثمار أو التكوين الرأسمالي لأي بلد يضم الإنشاءات والمباني وكذلك المصانع والآلات والأصول الثابتة الأخرى غير الملموسة (كالصرف على التنقيب وغيرها) هذا بالإضافة إلى التغيرات في المخزون. والمهم من الناحية الاقتصادية هو تساوي الادخار المحلي والاستثمار لكي يكون الاقتصاد ككل في حالة توازن بين العرض والطلب الكليين. وجرت العادة أن يكون حجم الاستثمار هو مجموع الادخار المحلي وتدفقات رأس المال من الخارج، بمعنى أن تمويل الاستثمارات المحلية يأتي من الادخارات المحلية والعوائد الخارجية. بالنسبة للسلطنة فإن أدق تعريف للادخار هو نسبة الادخار للناتج المحلي الإجمالي أي ما يسمى نسبة الادخار. بمعنى ما هي النسبة التى يدخرها الاقتصاد ككل من إجمالي قيمة الإنتاج الكلي من السلع والخدمات المنتجة في كل عام.
3- التضخم(inflation):هـو الارتفـاع الكبیـر والمسـتمر فـي أسعـار المنتجـات لفتـرة طويلـة نسـبیا، وبالتالي تناقص القوة الشرائية للنقود. وللتضـخم تــأثیر علـى الاقتصـاد باعتبــاره مــن المؤشـرات الدالـة علـى مسـتوى اسـتقرار هــذا الأخیـر وذلـك مـن خـلال التـأثیر علـى میـزان المـدفوعات، بالإضافة إلـى عدم استقرار مستويات الأسعار ما یؤثر على الادخار بسبب عدم ثقة الأفـراد فـي هذه المستويات ممـا یـؤدي إلـى تنـاقص حجـم الاسـتثمارات فـي البلـد، وبالتـالي حـدوث اختلال یكون سببا في عدم استقرار الأسعار.یعتبــر معــدل التضــخم أحــد المقــاییس الدالــة علــى استقرار الأداء الاقتصــادي للبلــد، لــذا تعمــد السیاسـات الاقتصـادية علـى جعلـه منخفضا قدر الإمكان.
4- الدين الحكومي(Government debt):هي الأموال التي تقترضها الحكومة من الأفراد والمؤسسات لمواجهة أحوال طارئة ولتحقيق أهداف مختلفة وذلك عندما لا تكفي الإيرادات العامة لتغطية النفقات العامة التي تتطلبها هذه الأحوال الطارئة، مثل الحرب وحالة التضخم الشديد، ولتمويل مشروعات التنمية ولمواجهة النفقات الجارية العادية حتى يتم تحصيل الضرائب، حيث أن مواعيد التحصيل قد لا تتوافق تماما مع مواعيد النفقات الجارية. وأيضًا هي الديون المترتبة على الحكومات ذات السيادة، وتتخذ أغلب هذه الديون شكل سندات غير قابلة للتداول أو أذونات خزانة لمدة ثلاثة أشهر تقريبا أو سندات قابلة للتداول. وعندما تقوم الحكومات بإصدار سنداتها فإنها تسلك سبيلين لا ثالث لهما؛ إما طرح سندات بعملتها المحلية، وغالبا ما تكون هذه السندات موجهة نحو المستثمرين المحليين، وفي هذه الحالة يسمى الدين دينا حكوميا. أو تقوم الحكومة بإصدار سندات موجهة للمستثمرين في الخارج بعملة غير عملتها المحلية، والتي غالبا ما تكون بعملة دولية مثل الدولار أو اليورو. يتم تحديد حجم الدين العام للدولة عن طريق حساب نسبة الدين العام بالنسبة المئوية من حجم الناتج المحلي للدولة.
5-الترتيب الائتماني للدولة(Credit Country Rating):إن التصنيف الائتماني هو رأي وكالة التصنيف في تقويم الملاءة المالية والرغبة في الوفاء بالديون لمُصدر الورقة المالية على مقابلة الالتزامات المالية الحالية والمستقبلية بشكل كامل وفي الوقت المحدد. ويعول كثيراً على درجة التصنيف الائتماني التي تمنحها وكالات التصنيف، خصوصاً للحكومات والمؤسسات المالية المصرفية في توقع حدوث مخاطر عدم الدفع بناء على معايير كمية ونوعية، إذ أصبحت أسواق رأسمال حساسة لدرجات التصنيف الائتماني التي تصدرها وكالات التصنيف الائتماني، ذلك أنها تؤثر على قدرة الشركات والدول على الدخول إلى أسواق رأس المال الدولية والحصول على التمويل المطلوب، وبالإضافة إلى ذلك، فإن غياب المعلومات الكافية لاتخاذ قرار الاستثمار في شراء الأدوات المالية المصدرة، يدفع المستثمر إلى اللجوء إلى التصنيف الائتماني لقياس مستوى المخاطر المالية وقدرة المدين على الوفاء بالالتزامات المالية. كما أن تغيير تصنيف السندات المصدرة يؤثر على أسعارها في أسواق الأوراق المالية.
أنواع التصنيف الائتماني
تقوم وكالات التصنيف الائتماني بإصدار أنواع متعددة من درجات التصنيف الائتماني، فقد ازدادت أنواعها بشكل كبير لتتماشى مع تطور السوق المالية العالمية، و لتلبي الطلب المتزايد عليها من قبل مختلف الأطراف المعنية في تقويم الجدارة الائتمانية لمصدري الأوراق المالية، وتحديد احتمالات التأخر عن السداد، والخسارة الناجمة عنها.ويمكن حصر أنواع التصنيفات الائتمانية من خلال تقسيمها إلى عدة معايير: - الفترة الزمنية - الأداة المصنفة - الجهة المصنفة - طالب التصنيف، التصنيف الائتماني.
حسب معيار الفترة الزمنية: يقسم التصنيف الائتماني وفقاً لهذا المعيار إلى التصنيف الائتماني للفترة الطويلة والتصنيف الائتماني للفترة القصيرة، كما يلي:
• التصنيف الائتماني للفترة الطويلة: Long-Term Credit Ratings يعبّر التصنيف الائتماني للفترة الطويلة عن رأي وكالة التصنيف بمخاطر الائتمان ذات فترة الاستحقاق سنة أو أكثر، ويحدد احتمال عدم الوفاء بالالتزامات المالية طويلة المدى.
• التصنيف الائتماني للفترة القصيرة: Short-Term Credit Ratings يعبّر التصنيف الائتماني للفترة القصيرة عن رأي وكالة التصنيف بمخاطر الائتمان ذات فترة الاستحقاق والتي لا تزيد عن 13 شهراً، ويحدد احتمال عدم الوفاء بالالتزامات المالية قصيرة المدى. وتستخدم وكالات التصنيف الائتماني رموزاً للدلالة على درجات التصنيف الائتماني للفترة القصيرة مختلفة عن الرموز المستخدمة للدلالة على درجات التصنيف الائتماني للفترة الطويلة.
التصنيف الائتماني حسب معيار الأداة المصنفة:
تقسم التصنيفات الائتمانية وفقاً لهذا المعيار إلى التصنيف الائتماني السيادي، والتصنيف الائتماني للمصارف، تصنيف القوة المالية لشركات التأمين، ودرجات التصنيف الائتماني الوطنية، وتصنيفات الاسترداد، وتصنيف السندات، وتصنيف الدعم للمصارف، والتصنيف الائتماني لسقف البلد، وتصنيف الأدوات المالية المركبة، وتصنيف القوة المالية لشركات التأمين الوطنية، وأنواع أخرى للتصنيفات الائتمانية.
التصنيف الائتماني حسب معيار الجهة المصنفة:
ينقسم التصنيف الائتماني وفقاً لهذا المعيار إلى التصنيف الائتماني الداخلي، والتصنيف الائتماني الخارجي، وذلك كما يلي:
• التصنيف الائتماني الداخلي: Internal Credit Ratings تقوم العديد من المؤسسات المالية وخصوصاً المصارف بعملية التصنيف الائتماني الداخلي وتقويم المخاطر لعملائنا من خلال الاعتماد على المعلومات العامة المتاحة والمتوفرة لدينا. وقد شجعت لجنة بازل للإشراف المصرفي المصارف على القيام بالتصنيف الائتماني الداخلي لأنها تملك بعض المعلومات الداخلية والتي يتعذر على وكالات التصنيف الائتماني الوصول إليها.
• التصنيف الائتماني الخارجي: External Credit Ratings وهي عمليات التصنيف التي تقوم بها وكالات التصنيف الائتماني في إصدار درجات التصنيف الائتماني، والتي تعبر عن رأي وكالة التصنيف في تقويم المقدرة المالية على الوفاء بالديون، ومقابلة الالتزامات المالية الحالية والمستقبلية بشكل كامل وفي الوقت المحدد.
• تصنيف الهيئات الرسمية: تقوم بعض الهيئات الرسمية بنشر توقعاتها حول احتمال تعثر الشركات في بلد معين خلال السنتين أو السنوات الثلاث التالية.
التصنيف الائتماني حسب معيار الطلب: يقسم التصنيف الائتماني وفقاً لهذا المعيار إلى التصنيف الائتماني المطلوب، والتصنيف الائتماني غير المطلوب، وذلك كما يلي:
• التصنيف الائتماني المطلوب: Solicited Rating يمكن للجهات المختلفة أن تطلب من وكالات التصنيف الائتماني إعطائها درجات التصنيف الائتماني لها أو لإصداراتها المالية، وبالتالي تقوم بتوفير المعلومات اللازمة والضرورية لوكالة التصنيف الائتماني، وذلك من أجل إظهار ملاءمتها الائتمانية الجيدة، والذي يؤدي إلى زيادة فرص نجاح إصداراتها المالية وتسويقها بالشكل الأفضل، والوصول إلى مصادر التمويل ذات التكلفة الأقل.
• التصنيف الائتماني غير المطلوب: Unsolicited Rating يمكن لوكالات التصنيف الائتماني أن تقوم بعملية التصنيف الائتماني لأي بلد أو شركة أو إصدار دون طلب من الجهات المعنية أو رغبتها بذلك، وهذا الحق مكفول لوكالة التصنيف الائتماني في الدستور الأميركي تحت بند حرية التعبير.
وهي بذلك تقوم بإعلام المستثمرين والجهات المعنية بالحالة الائتمانية للدولة أو الشركة أو الأداة المالية المصنفة. وتعتمد وكالات التصنيف في إصدار درجة التصنيف الائتماني غير المطلوب على المعلومات العامة المتاحة في السوق، مثل التقارير السنوية والحسابات المالية المنشورة، والتي عادةً ما تكون غير كافية بالشكل الأمثل، مما يؤدي إلى إجبار المصدر على التعاقد معها ودفع تكاليف التصنيف في حال حصوله على درجة تصنيف ائتماني غير مناسبة بالنسبة له، وبالتالي يقوم بتوفير المزيد من المعلومات لوكالة التصنيف الائتماني.
وعادة ما تكون درجة التصنيف الائتماني المطلوب أعلى من درجة التصنيف الائتماني غير المطلوب، لأن الأخيرة تستند على المعلومات العامة المتاحة فقط. وعلى الرغم من الخلاف الذي يدور حول التصنيف الائتماني غير المطلوب، فإن وكالات التصنيف الائتماني تدافع عن نفسها بأنها لا تقوم بإصدار درجات التصنيف الائتماني المرتفعة للتصنيف المطلوب وبالتالي المحافظة على عملائها، كما أنها لا تقوم بإصدار درجات التصنيف الائتماني المنخفضة للتصنيف غير المطلوب من أجل جذب عملاء جدد.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم وكالات التصنيف الائتماني بإبراز أهمية التصنيف غير المطلوب من خلال النقاط الثلاث التالية:
• إن التصنيف الائتماني غير المطلوب يخدم المستثمرين والمشاركين في الأسواق المالية، والذين يطلبون باستمرار من وكالات التصنيف الائتماني إجراء عملية التصنيف للمؤسسات غير الراغبة في الحصول عليه.
• إن التصنيف الائتماني غير المطلوب يوفر على المصدر تكاليف عملية التصنيف، حيث لا يطلب المصدر من وكالات التصنيف الائتماني إجراء عملية التصنيف إلا في حال توقعه بقدرته على رفع درجة تصنيفه الائتماني الحالية بعد تزويدها بمعلومات إضافية.
• يساهم التصنيف الائتماني غير المطلوب بزيادة المنافسة بين وكالات التصنيف الائتماني.
درجات التصنيف الائتماني:
تقوم وكالات التصنيف الائتماني بإصدار درجات التصنيف الائتماني، والتي تعبّر عن رأي وكالة التصنيف بمقدرة المصدر ورغبته على مقابلة التزاماته المالية بشكل كامل وفي الوقت المحدد مثل الفوائد، وأصل القرض، ومبلغ التأمين وغيرها؛ بتعيين حالة مشاهدة التصنيف واتجاه التصنيف، وتشيران إلى قيام وكالة التصنيف بمراقبة درجة التصنيف الائتماني .
ترتيب الدول عالميا وفق تقرير التنافسية العالمية حسب معيار البيئة الماكرو اقتصادية:
ترتيب الدول عربيا وفق نفس المعيار (البيئة الماكرو اقتصادية)[2] :
أسماء الدول | الامارات | قطر | السعودية | البحرين | الكويت | عُمان | الأردن | المغرب | الجزائر | تونس | مصر | لبنان | موريتانيا | اليمن |
ترتيبها عربيا | 2 | 1 | 5 | 9 | 3 | 6 | 11 | 4 | 8 | 10 | 13 | 14 | 7 | 12 |
ترتيبها عالميا | 28 | 25 | 58 | 108 | 30 | 66 | 115 | 55 | 71 | 109 | 132 | 133 | 69 | 130 |
التجربة التركية
دراسة نموذج: تطور واستقرار الاقتصاد التركي
انطلاقا من إحصائيات صندوق النقد الدولي 2012-2017، تعتبر تركيا الدولة 17 من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، و15 من حيث الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية)، وعضو مؤسس في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (1961)، ومجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية (1999). منذ 31 ديسمبر 1995، وتركيا أيضًا جزء من الاتحاد الجمركي في الاتحاد الأوروبي.
خلال عقد التسعينيات الماضي، كان الاقتصاد التركي يعاني تحت وطأة الدَّيْن المحلي والأجنبي بسبب ارتفاع التضخم، وعجز الموازنة الكبير، وارتفاع عجز الحساب الجاري. أخفقت الحكومة في معالجة هذه المشكلات. في عام 2002، وضعت الحكومة الجديدة المكونة من حزب العدالة والتنمية منظورًا جديدًا للاقتصاد والسياسة والسياسة الخارجية، يشار إليه إجمالًا بـ«تركيا الجديدة». أكدت الحكومة الانضباط المالي، والتحول الهيكلي، والخصخصة. خلال هذه الفترة، تعافت تركيا سريعًا من الآثار السلبية لأزمة 2001 المالية، وحققت معدل نموٍّ مطردًا. كما نجت البلاد من أزمة 2008 المالية العالمية بأقل ضرر.
عقب الأزمة المالية مباشرة عام 2002 خطت تركيا خطوات نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، خلال هذه الفترة، وضعت الحكومة لوائح جديدة للنظام المصرفي، بهدف الانضباط المالي وخصخصة المشروعات المملوكة للدولة. دشنت سياسات الحكومة فترة من النمو المتواصل. كما اتخذت تدابير لتعزيز المالية العامة، وزيادة فعالية المؤسسات العامة، وتجنب الوقوع في فخ الديون. ثم أجرت ثلاث حكومات متعاقبة إصلاحًا شاملًا للاقتصاد التركي الذي يفوق أداؤه حاليًّا أداء دول عديدة تعاني أزمات بمنطقة اليورو من حيث مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي.
يقدم هذا الموجز تحليلًا لاقتصاد تركيا خلال العقد الماضي مع الإشارة لمؤشرات الاقتصاد الكلي، وتحول المالية العامة، والسياسات الاجتماعية الجديدة، وتحسن العلاقات بالمنظمات الدولية، وتغيرات الاقتصاد العالمي عقب أزمة 2008 المالية العالمية، تقترح الدراسة تدابير لتحسين المكانة الحاليّة للاقتصاد، وتفصل أولويات تركيا تجاه أهدافها لعام 2023.
الاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادي لتركيا
أدى توسع الأسواق العالمية وتوافر الائتمانات الرخيصة عقب أزمة 2001 المالية إلى زيادة كبيرة في تدفق رؤوس الأموال من الأسواق المالية إلى الدول النامية. خلال هذه الفترة، جعل توافر السيولة الواسع في الأسواق العالمية، مع ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية في تركيا، البلادَ وجهة جذابة لرؤوس الأموال.
نتيجة لذلك:سجل الاقتصاد نموًّا بنسبة 6.2 بالمئة في 2002 متعافيًا من انكماش بلغ 5.7 بالمئة في 2001. بالمثل، شهدت البلاد نموًّا بلغت نسبته 5.3 بالمئة في 2003.
9.4 بالمئة في 2004.
8.4 بالمئة في 2005.
6.9 بالمئة في 2006.
خلال هذه الفترة، لم يكن النمو الاقتصادي راجعًا فقط إلى زيادة حجم السلع والخدمات المصدرة، بل لانتعاش الطلب المحلي كذلك. في الوقت نفسه، أسهمت استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة في الإنتاج المحلي. بفضل هذه الأسباب كلها، فضلًا عن التدابير الوقائية المتنوعة وبرنامج التقشف الاقتصادي بعد الأزمة، اكتسب الاقتصاد التركي مرونة ضد الصدمات الخارجية وسجل إحدى أسرع فترات النمو منذ 1950 بين 2002 و2007.
أثرت أزمة 2008 المالية العالمية في الاقتصاد التركي بشكل رئيس من حيث العلاقات التجارية بدرجة ما، وأدت في 2009 إلى ركود بلغ 4.8 بالمئة. نتيجة لفترة الركود، سَعتْ تركيا للوصول إلى أسواق جديدة على أمل إيجاد بدائل للاتحاد الأوروبي، وهو الكتلة التجارية التي تضم الغالبية العظمى من حجم التجارة الخارجية للبلاد. أسهم إنشاء صلات تجارية مع أسواق جديدة، بالإضافة إلى ازدياد حجم الطلب المحلي والصادرات في تعافي الاقتصاد التركي. ضمنت إعادة تركيا لهيكلة قطاعها الحقيقي وإحيائه إمكانية أن تساهم جميع قطاعاتها في النمو الاقتصادي، وأتاحت للاقتصاد أداء جيدًا للغاية في 2010 و2011. خلال هذه الفترة، سجل الاقتصاد التركي نموًّا سنويًّا بمعدل 8.5 بالمئة ليصبح ثاني أسرع اقتصاد نموًّا في العالم، بعد الصين التي بلغ نموّها 9.2 بالمئة في 2011.
واصل اقتصاد تركيا وتيرة نموّه بفضل التزام الحكومة بالانضباط المالي والسياسة الاقتصادية المتّسقة، بينما تأثرت دول منطقة اليورو تأثرًا شديدًا جراء الأزمة المالية العالمية.
رغم تحقيق الاقتصاد التركي نموًّا متواضعًا بلغ 2.2 بالمئة في 2012 وأخفق في تلبية التوقعات، إلا أن هذا الأداء عرض تنويع أنشطة اقتصادية مختلفة في تركيا وأظهر حراكًا نسبيًّا لهياكل البلاد الاقتصادية.
كان لأداء البلاد القوي في النمو الاقتصادي السنوي بين 2002 و 2012 تأثيرًا إيجابيًّا أيضًا في مستويات الناتج المحلي الإجمالي للفرد خلال نفس الفترة. في 2012، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 10504 دولارا أمريكيّا مقابل 3492 دولارًا في 2002. في الوقت ذاته، عززت تركيا مكانتها بين البلدان النامية بمساعدة نموها الاقتصادي؛ لكن هذا التطور جعل ترويج إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية ضرورة مطلقة لهذا البلد، لضمان تراكم أكبر للمدخرات المحلية وإتاحة نمو أكثر وتركيز جهودها على قطاع الأعمال التنافسية لتجنب الوقوع في شَرَك الدخل المتوسط، وهو مشكلة شائعة لدى الاقتصادات النامية. رغم أنها حاليا تعاني من أزمة نتيجة للسياسة الأمريكية اتجاهها وإن دعمتها قطر باستثمار 15 مليار دولار ، لدعم الاقتصاد التركي.