الخلية هي أصغر وحدة في الحياة، ومنها تتكون جميع الأحياء، ويمكن النظر إلى الخلية في أدائها ودورها كلبنة أساسية للحياة، يرجع فضل اكتشافها إلى العالم البريطاني روبرت هوك في القرن السابع عشر، فهو أول من شاهدها بمجهره المتواضع، وأطلق اسم الخلية على الأشكال التي رآها، ومنه وصل إلينا اسم خلايا.
تتجمع الخلايا عادة لتكون الأنسجة والتي تتجمع في صورة أعضاء، ثم تكوين كائن حي كامل مثل الإنسان الذي يتكون من مائة تريليون خلية، تشترك هذه الخلايا في نفس التركيب الأساسي؛ فهي محاطة بغشاء يحيط بمكوناتها وهو نفاذ (يسمح بمرور الغذاء والماء إلى داخل الخلية)، وتمتلئ الخلية بسائل يسمى السيتوبلازم الذي يوجد بداخله مجموعة متنوعة من العضيات المحاطة بأغشية تؤدي مهام معينة، من العضيات الكبرى النواة التي تحوي بداخلها جزيء DNA وهي المادة الوراثية، التي بها الرسالة كاملة والتي جاءتنا منذ بلايين السنين من الموروث الأول. والنواة بذلك تصبح مركزا للمعلومات، وبهذا فهي مركز للإدارة والحكم.
توجد في الكائنات خلايا قادرة على إنتاج كل أنواع الخلايا التي يحتاج إليها الكائن من الميلاد وحتى الوفاة، وما أن يبدأ الكائن في النضج، حتى تكون هناك حاجة لخلايا أخرى لإنتاج مجموعات الخلايا المتخصصة المطلوبة لقيام عضو أو نسيج بوظيفته، وتعرف بالخلايا الجذعية.
بشكل عام، يوجد نوعان رئيسيان من الخلايا الجذعية؛ الجنينية والبالغة، للخلايا الجذعية الجنينية خصائص حيوية مختلفة عن البالغة، التي توجد بالقرب من الميلاد، والنموذج الأصلي للخلايا الجذعية في النمو هو البيضة (اللاقحة) التي تنتج عن اندماج البويضة والحيوان المنوي، والتي لها القدرة الكاملة على إنتاج كل أنواع الخلايا والأنسجة المطلوبة في الجسم (لذلك يمكن وصف الخلية الجذعية بأنها كاملة القدرة). ومع نمو الجنين تظهر الخلايا الجذعية متعددة القدرات، وهي خلايا ذات قدرات متعددة لكنها محدودة.
في عام 1981 إستطاع العلماء عزل الخلايا الجذعية الجنينية، ثم زرعوها في المختبر بشكل مستمر من دون أن تفقد خصائصها التي تميزها كخلايا جذعية جنينية، كما تمكنوا بعد زراعتها في المختبر لمدة غير قصيرة من زرعها بين خلايا جنين اخر، فوجدوا أنها تنقسم وتتمايز لكي تعطي معظم خلايا الجنين.
ما حدث في الخلايا الجذعية للفأر، حدث في الخلايا الجذعية للإنسان العام 1998 بواسطة العالم الأمريكي جيمس تومسون، حيث عزل هذه الخلايا من خلايا جنين عمره 5 أيام، وزرعت في العديد من المعامل لفترة طويلة، وظلت محافظة على الصفات المميزة لها من دون توقف، كما وجدوا أنها تستطيع أن تتحول إلى أنواع خلايا جديدة متخصصة حينما يطلب منها ذلك (باستعمال عوامل محفزة للنمو)، وذلك بأن تغير من برنامجها الجيني لتعطي نوعا جديدا من الخلايا المتخصصة، كخلايا الجلد وخلايا القلب والأعصاب وغيرها.
إن معظم الأمراض لها أصول خلوية. فمرض السيدا (قصور المناعة المكتسب) يتسبب في تدمير الخلايا البيضاء (الكريات اللمفاويات T4)، التي تعتبر ركيزة أساسية في الاستجابة المناعية النوعية، مما يؤدي إلى انخفاض عددها بشكل كبير فيصبح الجسم عرضة لأبسط الجراثيم. بينما يهاجم فيروس كورونا (الذي ظهر في شهر ديسمبر الماضي في الصين) مجموعتين محددتين من الخلايا في الرئتين، إحدى هذه الخلايا تسمى خلية كأسية، والأخرى تسمى خلية هدبية.
الخلايا الكأسية هي خلايا تنتج المخاط الذي يشكل طبقة مرطبة على القناة التنفسية، وهذا أمر مهم للمساعدة في الحفاظ على رطوبة الرئتين، وبالتالي الحفاظ على الصحة. أما الخلايا الهدبية فهي خلايا لها شعيرات تتجه نحو الأعلى، ووظيفتها أن تقوم بتجريف أي مادة مؤذية عالقة في المخاط مثل البكتيريا والفيروسات وجزيئات الغبار، باتجاه الحلق للتخلص منها.
بينت الدراسات بأن فيروس كورونا يصيب هذه الخلايا ويبدأ في قتلها وتبدأ أنسجتها بالسقوط في الرئتين، وتبدأ الرئتان في الإصابة بالانسداد، مما يعني أن المريض يصاب بالتهاب رئوي. وعندما يحاول الجسم الرد فإنه قد يؤدي هذا إلى فرط في المناعة، وعندها يقوم جهاز المناعة بهجوم كبير يؤدي إلى إتلاف الأنسجة السليمة في الرئة، وهذا أيضا قد يجعل التنفس أكثر صعوبة.
إن الفيروسات كائنات خطيرة ومخادعة؛ لأنها تتغير وقادرة على تجاوز الذاكرة المناعية ومقاومة الأدوية. بالتالي فقد أدرك بعض العلماء أنه لا يمكن مواجهة سرعتها وقدرتها على التطور والهدم إلا بمزيد من البناء (بناء الخلايا)؛ وذلك من خلال استعمال واستثمار قدرات الخلايا الجذعية على تعويض الخلايا والأعضاء المهدمة والمحطمة.
قد بينت بعض الدراسات العلمية أن قدرات هذه الخلايا الجذعية على البناء أكبر وأسرع من القدرة الهدامة للجراثيم والفيروسات. فقد أعلن في مارس 2019 عن شفاء مريض بريطاني أصيب بفيروس الإيدز بعد خضوعه لعملية زراعة خلايا جذعية (قادرة على بناء خلايا بيضاء بديلة و جديدة)، تماما كما حصل مع مريض أمريكي الذي أعلن عن شفائه في العام 2011.
كما نقلت صحف صينية إن مرضى بفيروس كورونا تلقوا علاجا بالخلايا الجذعية بعد أن وصلوا لمرحلة خطيرة، وقد خرجوا من المستشفى بعد شفائهم. فحسب خبراء صينيين فإن الخلايا الجذعية تعمل على تحفيز تكوين أوعية الدم الجديدة وتكاثر الخلايا ومنع استجابتها للالتهاب، وتعزز بيئة المناعة المجهرية في الرئتين وتخفض مخاطر الفشل الرئوي الناجم عن الالتهاب. وبحسب وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية، طورت الأكاديمية الصينية للعلوم عقارا جديدا من الخلايا الجذعية، أظهر نتائج واعدة في التجارب على الحيوانات.
لقد أدرك كثير من العلماء أن الأدوية من الكيماويات تشكل عبئا كبيرا على اقتصاديات العالم (خصوصا العالم الفقير) وعلى خلايا الجسد وأعضائه، حيث داوت منها ما داوت وخربت منها ما خربت. وبالتالي فإن الخلية الجذعية يمكن أن تحل المشكلة من جذورها وتخلع المرض من أصوله، ليس فقط لما تملكه من خصائص ومميزات عظيمة، وليس فقط للتحايل على مشكلة المناعة التي تلفظ كل ما هو غريب وبعيد عن الجسد، ولكن لأنها علاج يحاكي الطبيعة، بل هو الطبيعة عينها، هي علاج ليس فيه ضررا أو إتلاف. فهذه الخلية لن تعالج شيئا ما في الجسد وتخرب آخر، بل سوف تعالج عضوا وتعين عمل عضو آخر، سوف تشفي أمراضا لم يكن مقدرا لها الشفاء في الوقت الحالي على الإطلاق.
إن الخلية الجذعية هي علاج المستقبل (علاج خلوي)، والمطلوب من الدول خاصة الفقيرة الاستعداد له بالمعرفة والبحث العلمي وبمختبرات، بدل الانتظار وتبرير هذا الانتظار والعجز بتفسيرات سياسية أو خرافية. لذلك يقول الدكتور خالد أحمد الزعيري في كتابه (الخلية الجذعية)، بأن الخلية الجذعية تمتلك حلولا ساحرة لعلاج أمراض خطيرة. ولقد أصبح جليا كالشمس، أن الدول التي ستفتح مختبراتها للباحثين في أسرارها سوف تحقق فتوحات طبية جديدة وعديدة، وسوف تعالج مواطنيها بعلاج أمن طبيعي، وبسعر في متناول جيوبهم.
أما أولئك الذين يقفون في طابور المتفرجين، كعادتهم دائما، فسوف لا نرى منهم سوى أفواه مفتوحة من الدهش وعدم التصديق، وأعين تبرق من الخوف مما هو آت على يد الآخرين، وسوف لا نسمع منهم سوة كلمات التعجب وأنه كيف حدث هذا؟ وكيف عالجوا أمراضا عصبية كانت قبل اكتشاف الخلية الجذعية عصية على العلاج، بل كان لا أمل على الإطلاق في علاجها، كما أنهم سوف يدفعون دماء قلوبهم لكي يشتروا الخلايا ليعالجوا ما ألم بأجسادهم الخاملة المثخنة بعلل وأمراض مؤلمة. فهلا سمعنا في الغد القريب عن مختبرات متخصصة في أبحاث الخلية الجذعية في عالمنا العربي والإسلامي؟ وهل سيدرك هذا العالم بأن العلم والبحث العلمي هو قوة الأمم والشعوب ودرعها ضد التخلف الذي مصدره الجهل؟ متى ندرك بأن البحث العلمي عنصرا أصليا في تكوين الثروة؟
إن العديد من الكتاب قد قدموا شواهد وأمثلة توضح أن البحث العلمي نشاط ذو فعالية عالية بالنسبة لتكاليفه، بمعنى أنه بالرغم من قلة العائد النقدي للمستثمر في مجالات البحوث، فإن إنتشار الفوائد التي لا تقدر بثمن بين المستهلكين تجعله عظيم النفع بالنسبة للمجتمع ككل.