انتشرت قصة مقتل لاعب كرة السلة الشهير"جورج فلويد" على مواقع التواصل الاجتماعي العربية، وكأنها تقول انظروا إلى بلد الحرية والديمقراطية والتقدم، البلد الذي أبهرنا بمحاضراته عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، والتعدد والتعايش.
فيما الرأي الآخر مستاء من هذا التفاعل وكأنه يقول قام العالم ولم يقعد لأجل أسود أمريكي، ولم يكترث أحد بعشرات الصور ومقاطع الفيديو التي يفعل فيها الإسرائيليين لأطفال وشبان فلسطينيين ما فعلت الشرطي الأبيض الأمريكي لجورج فلويد، الواقع يظهر أنهم من نفس الطينة فكل من إسرائيل وأمريكا بلدين بلا تاريخ شعبهما من المهاجرين من أعراق مختلفة، قاموا بجرائم ضد الإنسانية ضد السكان الأصليين من بينها الإبادة والتهجير والسلب والسكن و التعذيب...!، و لهم نفس الميول العنصرية كما يبدو.
وقد لفت النظر العديد من الكتاب إلى حقائق و تساؤلات مثل أن أمريكا من أكثر الدول التزاما بالقانون ودفاعا عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وأنها سنت الكثير من القوانين التي تحد من العنصرية والجريمة وتحمي كل مواطنيها وتضمن حقوقهم بغض النظر عن لونهم أو دينهم، وأن ظهور حاله هنا أو هناك لا يعني أن الأمريكيين عنصريين!!
كما أن ممارسة الشرطة لعملها في أحياء السود المليئة بعصابات الجريمة تتطلب الكثير من المخاطرة والعنف، ويحدث الكثير من الأحيان اشتباكات بين العصابات التي تعيش في تلك المنطقة وبين الشرطة، وبالتالي يمكن أن تحصل الكثير من الحوادث كالتي حدثت في مثل هذه الأجواء خصوصا حينما يكون الخوف مسيطرا.
وهذه التساؤلات في محلها، ولكن لا ينبغي غض الطرف عن العديد من الحقائق، فالقوانين لم تسن لسواد عيون المظلومين ولا إرضاء لضمير حي وليست من منطلق أخلاقي أساساً، إنما منطلق برجماتي بحت وذلك ضماناً لأمن واستقرار وتفوق أمريكا على العالم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هذه الحقوق التي يقرها القانون الأمريكي ويحميها لم تكن تحصيل حاصل الجميع متفق بشأنها، إنما فرضت بالقوة من خلال نضال مرير وطويل خاضته فئات أمريكية مختلفة منذ تأسيس أمريكا وحتى اللحظة حتى انتزعت حقوقها بالقوة وفرضت الالتزام بها بالقوة، ومن هذه الفئات الأمريكيين الأفارقة الذي تشكل نسبتهم 10٪ من الأمريكيين.
لا يمكن أن نصف ما حدث بأنها ظاهرة عامة في المجتمع الأمريكي لأنها لا تستوفي الشروط اللازمة لوصفها ظاهرة، ولكن تبقى ذات دلالة، فلا يستطيع كل أمريكي يشعر بالكراهية والعنصرية أن يعبر عنها سوى بالقول أو بالفعل كي يقي نفسه السجن ويحافظ على مسيرته المهنية، لذلك تبقى مكبوتة.
نعم يشعر بالكراهية والاحتقار ويفكر بطريقة عنصرية ولكنه لا يعبر، إلا في حالات استثنائية كنوبات الغضب والكراهية التي يفقد فيها الشخص سيطرته على نفسه، فتنفجر بالطريقة التي رأيناها في حالة جورج فلويد.
ثم إن جورج لاعب كرة سلة شهير ومعروف تم اعتقله للاشتباه في قيامه بتزوير عملات ورقية بعد أن قام باستخدام عملة ورقية مزيفة لشراء بعض الحاجيات، لكن ما أدى إلى الضجة الكبيرة هو تصوير آخر لحظات لاعب شهير أسود في بث مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي في لقطة مستفزة ولا إنسانية حيث توفي على مرأى من الجميع.
فقد أحدثت مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت حول الحادثة صدمة للمشاهدين والرأي العام، حيث تظهر قيام أربعة شرطيين باعتقال جورج فلويد بطريقة عنيفة، ثم قاموا بطرحة على الأرض وتقييده وبقي ثلاثة منهم جالسين فوقة أحدهم واضعا لركبته على رقبة جورج فلويد لسبع دقائق حتى اغمي عليه ودقيقتين بعد أن اغمي عليه، وقد كانت كلماته الأخيرة كالتالي: أرجوك، لا أستطيع التنفس، أرجوك، أرجوك، لا أستطيع التنفس يا رجل، أرجوك، قبل أن يغمى عليه مرة وإلى الأبد!
بينما الشرطي ينظر إلى الكاميرات بطريقة مستفزة، وكأنه مستمتع بتعذيب الرجل سامحاً لمشاعره السوداء بالخروج بعد كبت طويل، هؤلاء من يسمون أنفسهم بالواسب هم نفسهم الذين أخذوا السود من بلادهم ليكونوا عبيدا لهم لأنهم يحتقرون السود، وهم نفسهم الذين اجتاحوا الأمريكتين وقاموا بإبادة الملايين من السكان الأصليين، وهي نفسها العنصرية التي مارسها النازيين ضد اليهود والأعراق الأخرى بدعوى تميز العرق الآري، وهي نفسها العنصرية التي يمارسها الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، فمن أين جاءت هذه العنصرية؟
يتشابه الواسب والصهاينة كثيراً وفي هذا الصدد لن نناقش كل أوجه التشابه بين الاثنين إنما الأمور التي تجعلهم عنصريين، وهي كالتالي هوية عنصرية مركبة وفكرة التفوق.
فالواسب (wasb) هي عبارة عن اختصار لأربع كلمات هي باللغة العربية أبيض انجلو سكسوني بروستانتي، وهي ما تسمى بالعنصرية المركبة أي رجل أبيض اللون من أصول انجلوسكسونية وهم انجليز تعود أصولهم لمنطقة شمال ألمانيا تدعى ساكسون، وايضا بروستانتي وهي أحد المذاهب المسيحية، أي عنصرية تجاه الألوان الأخرى والأعراق الأخرى والديانات الأخرى والمذاهب الأخرى، وفي المقابل الصهاينة وهي مركبة بنفس طريقة الواسب أي يهود من أصول إسرائيلية سامية ( يدعون بأنهم سلاله نقية من أبناء نبي الله إسرائيل وهي أحد أسماء يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام) .
ثانيا فكرة التفوق، وتقوم على شعورهم بالتميز على غيرهم من الشعوب جاء هذا الشعور من معتقدات دينية مثلا أن اليهود شعب الله المختار وما يشبهها من إشارات في المذهب البروتستانتي، وحتى إن لم يكونوا كذلك، فإنهم يحاولون إثبات تميزهم من خلال التفوق والتقدم والسعي الحثيث للقوة والنفوذ والثروة على حساب كل من السعادة والأخلاق وحقوق الإنسان إذا لزم الأمر وكل شيء آخر.
كما ويجب الإشارة إلى حقيقة مقتل مئات السود سنويا من قبل الشرطة كما تشير الإحصائيات، وأضعاف هذا العدد يقتل من فلسطينيين لنفس السبب وهي العنصرية، لكن إن أردت أن تحرك الرأي العام فاكتب قصة شخص واحد ولا تكتب قصة من الأرقام، فلأجل جورج نيابة عن الجميع اندلعت احتجاجات عنيفة في مينيابوليس في ولاية مينيسوتا وكذلك العديد من الولايات الأخرى، وصلت إلى اشتباكات مع الشرطة أدت لمقتل عدد من المتظاهرين على الأقل كما وقام المحتجون بسلب ونهب وحرق العديد من المحلات التجارية و المباني في مينيسوتا، وتضامن معهم الملايين حول العالم.
"إن مقتل أنسان واحد يعتبر مأساة كبرى، لكن مقتل الملايين يعتبر مجرد احصائيات " جوزيف ستالين