واجهت الحركات الإسلامية منذ تأسيسها العديد من حملات التشويه المباشرة وغير المباشرة، واستمرت الى وقتنا الحاضر بظهور مايسمى الثورات المضادة؛ على سبيل المثال ثورات الربيع العربي التي أفرزت في معظمها تصدر للتيار الإسلامي للساحة السياسية، ولعل من أبرز هذه الحملات ما تعرضت له حركة الإخوان المسلمين في مصر ابتداء باغتيال زعيمها، مرورا بما فعله عبد الناصر من حملات تعذيب واعتقال في حق قياداتها، وصولا للسيسي وما فعله في ميدان رابعة بعد انقلابه على الرئيس الشرعي محمد مرسي .
من هذه الممارسات التعسفية تبين أن الغرب بتحالف مع العلمانيين بالدول المذكورة، سيستعمل كل نفوذه وطاقاته من أجل إبعاد الإسلاميين عن الحكم، لذلك وجب على الحركات الإسلامية أن تكون جاهزة لاغتنام وعدم تضييع أي فرصة تمكنهم من وضع قدم في السلطة.
ولعلي سأسرد مثالين يوضحان أهمية الجاهزية التي أقصدها.
المثال الأول: الثورة الإسلامية الإيرانية:
مما ساهم في نجاح الثورة الايرانية التي قادها الخميني للإطاحة بنظام الشاه رضا بهلوي، حيث تحولت من خلالها الدولة البهلوية الى جمهورية إسلامية إيرانية. مشاركة العديد من الاطياف الاسلامية وغير الاسلامية، في هذه الثورة رغم اختلافاتها السياسية الواضحة حيث اجتمعت كل الأطياف على هدف رئيسي واحد، وهو إسقاط النظام هذا من جهة ومن جهة أخرى لم يكن هؤلاء المشايخ الذين قادوا هذه الثورة مجرد رجال دين فحسب، وإنما كانوا سياسيين ومفكرين أمثال روح الله الخميني ومحمد بهشتي الذين تجسد مفهوم الدولة في أذهانهم فأقاموا دولة إسلامية وفق منهجهم الذي تبنوه.
على عكس ما سنذكره في المثال القادم الذي يلخص ما قامت به الحركة الإسلامية في أفغانستان.
المثال الثاني: التجربة الاسلامية الافغانية:
في ستينيات القرن الماضي ظهرت موجة مد إسلامي في أفغانستان ردا على المد الشيوعي القادم من الجار السوفياتي، حيث تهيكل الإسلاميون في العديد من الأحزاب من أبرزها الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، والجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني.
قاتل الزعيمان الاتحاد السوفياتي معا، لكن سرعان ما حدث خلاف بينهما أدى إلى نشوب حرب أهلية في العاصمة كابول، حتى جاءت حركة طالبان في عام 1995 لتحكم سيطرتها على كابول، فخرج حكمتيار الى إيران وخرج رباني الى طاجيكستان.
دامت مدة حكم طالبان خمس سنوات أعلنت خلالها قيام الإمارة الإسلامية في أفغانستان، لكن هذه المدة لم تكن كافية لتحقيق تقدم يذكر في أي مجال وذلك راجع إلى أن معظم قيادات الحركة لم تكن جاهزة لتولي مناصب في الدولة، لأنهم بطبيعة الحال أمضوا شبابهم في محاربة السوفيات. فهم لم يعرفوا من الإسلام إلا الحدود، ولم يعرفوا من الدولة إلا السلاح، أدى ذلك إلى تبخر حلم الأفغان في تأسيس دولة إسلامية أفغانية .
أردت أن أبرز هذين المثالين لتبيين مدى أهمية اغتنام الفرص لأي حركة إسلامية تبغي الوصول لسدة الحكم؛ طبعا بعد إعداد العدة و التموقع في المكان المناسب، فالسنن الكونية تتغير بتغير الزمان، فترفع تيارات وتنزل أخرى، لا لقوة الأولى بل لضعف الثانية، لذلك أكدنا على حسن التموقع، وإعداد العدة كي لاتضيع أي فرصة يمكن استغلالها لإعادة مجد الأمة، والتمكين لدين الله في هذه الأرض.