لم يكن توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير على بروتوكول توظيف جديد يقضي بتفضيل معيار المهارات على معيار الشهادات؛ أمراً عابراً أو عادياً، بل هو أمر يستحق التوقف والفهم، ومع كونه أمراً هاماً ومؤثراً، إلا أنه لا يعتبر جديداً عند المشتغلين بالتوجيه المهني الاحترافي، والمتابعين لتطورات سياسات الشركات الكبرى في التوظيف وكل مُدقق في الاعتبارات الحديثة للمفاضلة بين المتقدمين لشغل الوظائف.
برتوكول التوظيف الفيدرالي الجديد يونيو 2020
تعديل البروتوكول القديم بالشكل الجديد جاء بعد تكرار التأكيد من مستشاري الرئيس الأمريكي على خطورة تأخير معيار المهارات وتفضيل الشهادات التي قد يحوزها غير المتمكن من المهارات اللازمة لتنفيذ المهام الوظيفية المختلفة، ما يُعد شكلاً من أشكال الإهدار المتعمد للموارد البشرية، وتضييع الفرص على مستحقيها، يُذكر هنا أن الحكومة الفيدرالية هي صاحبة القرار في توظف أكثر من مليوني عامل مدني بالولايات المتحدة الأمريكية.
أبل وجوجل وسباق من نوع جديد
وطبقاً لما أوردته CNBC فإن عديد المؤسسات العالمية قد سبقت هذا البروتوكل ووضعت لنفسها استراتيجية توظيف متقدمة، حيث استغنت في الفترة الأخيرة عن الدرجات الجامعية كمتطلب للتوظيف؛ كشركة Apple ومجموعة Alphabet التي تتبعها شركة Google الشهيرة.
وطبقاً لموقع الحرة الاخباري فإن شركة IBM الأمريكية، قامت بتعيين 15 بالمائة من قوتها العاملة، من خلفيات غير تقليدية في العام الماضي، وذلك على أساس المهارة بدلا من المستوى التعليمي.
رأي المعترضين على هذا التوجه والرد عليه
يعد هذا التوجه تابعاً رئيساً من توابع الثورة الرقمية والتطور الهائل في الصناعات والتي تؤثر على سياسات التوظيف، ما يعني أن تعتمد سياسات التوظيف على الكادر المدرب صاحب الجاهزية المهارية والخبرة العملية.
وللإنصاف القول أن هناك بعض الاعتراضات التي نالها هذا القرار وتلك الانتقادات لها ما يبررها من ناحية امكانية استغلال مثل هذا البروتوكول وهذا الشكل في التعيين والتوظيف في زيادة نسبة الفساد الإداري والمحسوبية، فضلاً عن إضعاف الرغبة في التعلم أو الإنصراف عن الدراسة بالكُلية، وبالتالي قد تتعرض المنظومة التعليمية للإهتزاز.
وهناك ردود عديدة على هذه المخاوف منها أن المحسوبية مع كونها داء يضرب عديد المجتمعات الاقتصادية إلا أنها لا تحتاج مثل هذه السياسات الجديدة في التوظيف لتتمكن وتتمدد؛ وبالذات في بلادنا العربية التي تمتلك منظومات فساد متراكمة تتعدد فيها الوصفات التي تخترق كافة قواعد الشفافية والعدالة بكل سهولة وأريحية - وما قضية تعيين أبناء أساتذة الجامعات منا ببعيد - هذا علماً أن شرط التعيين مُعلن ومُقنن بالنسب والدرجات العلمية المباشرة.
وعن مشكلة انصراف الطلاب عن التعلم وبالتالي إضعاف المنظومة التعليمية، فالرد على هذا بصورة مختصرة يكمن في أن الواجب هو تعديل المنظومات التعليمية لتتناسب مع سوق العمل وإعادة النظر في المقررات والمناهج لتحقق المطلوب من الكفايات الاقتصادية في التوظيف لكل بلد حسب احتياجاته ومتطلبات سوق العمل فيها.
التعليم الحديث والتخطيط المهني
هناك فكرة رئيسة غائبة في منظوماتنا التعليمية العربية وهي الإختبارات المهنية المحكمة وهي متوفرة بعديد النظم التعليمة الحديثة، ومنها ما يناسب كل مرحلة سنية وفئة عمرية، وتلك الاختبارات وما يتبعها من توجيه وإرشاد يساعد الطلاب في تحديد المجالات التي تناسب كل طالب وترشده للبيئات العملية التي تتناسب مع طبيعته الشخصية وميله النفسي وبالتالي يتحقق له النجاح المهني بالمستقبل، اختبارات من مثل مقياس جون هولاند للبيئات المهنية أو مقياس دونالد سوبر للبيئة والميول المهنية وغيرهما، والتي ما إن اعتمدت - مع تطبيقها بحرفية ومتابعة نتائجها بدقة - فستؤدي إلى الجمع بين الدراسة النظرية المعرفية والتطبيقات المهارية للطلاب وما يتبع ذلك من توجيه صحيح للطلاب إلى المجالات التي تناسب ميولهم ورغباتهم وقدراتهم فيجمع الطلاب بين الجزء النظري والخبرة العملية وقد عرفوا ما يناسبهم وينفعهم، ويصحب ذلك وضع كل طالب لخطته المهنية والتي تعد شرط رئيس لنجاح المنظومة التعليمية الحديثة.
وتشير عديد الدراسات عن البطالة وأسبابها؛ إلى أن افتقاد التخطيط المنهجي وغياب الربط بين المناهج الدراسية واحتياجات سوق العمل، يعد واحداً من أهم أسباب ارتفاع نسب البطالة وتعاظم خطورتها في عالمنا العربي، ومن دلائل ذلك الفقد والقصور المنهجي ما ندركه من ضعف شديد في المناهج التعليمية وغياب النظرة المستقبلية لسوق العمل واحتياجاته، فضلاً عن التعامل السلبي مع علوم التكنولوجيا والرقمنة الحديثة، وغياب التدريب العملي والميداني، والاعتماد الزائد على طرق التلقين والإكساب المعرفي.
- للدارسين والخريجين الجددالجدد: حصلوا التجربة والخبرة والمهارة الحقيقية مع العلم والدراسة النظرية.
- للمؤسسات الإقتصادية: ابحثوا عن المهارة والتجربة وقدموهما في التوظيف لتدركوا تطبيقاً حديثاً يدفع نحو النجاح ويحقق لكم أكبر الفوائد من موظفيكم وكافة العاملين.
- للمؤسسات التعليمية: لابد من إعادة النظر بالمناهج الدراسية والبرامج التي تقدم للناشئة والشباب؛ لتكون أكثر ارتباطاً بتلبية إحتياجات سوق العمل والتركيز على التوجيه المهني المصاحب للبرامج الدراسية للمراحل المختلفة.
- لحكوماتنا العربية: بادروا بإعتماد عنصر تحقق المهارة في اختيار موظفيكم، والتي تعني الامتلاك الحقيقي للمعرفة والكفايات التطبيقية مع العلم النظري والتجارب المختبرية.