الانتظار.. أن تكون منتظرا لأمر ما، هو من أصعب ما يمر به المرء في حياته، فهو يستهلك الوقت والجهد واستقرارية الروح. ومن جملة ما يمر به المواطن في دولنا النامية هو انتظار إنجاز معاملاته من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة، قد تكون معاملة تقاعد أو احتساب شهادة إضافية أو تقديم على وظيفة أو جواز سفر أو دراسة وما سواها من معاملات لازال يستغرق بعضها شهورا طوالا حتى في زمن الاتصالات والإنترنت.
فلماذا نحن مضطرون لأن نعيش هذه المعاناة في عصر السرعة والتغيير؟ وهل جميع الحكومات تفعل لمواطنيها ذلك؟
منذ دخول الإنترنت ووسائل التواصل الرقمية حصلت ثورة في مجال الاتصالات، وتركت أثرها على قطاعات مختلفة على مستوى الفرد والدولة. انتهزت العديد من حكومات العالم هذه الثورة لتعزيز كفاءة الخدمات التي تقدمها وتزيد من فاعليتها مقللة الوقت والجهد والكلفة على المواطن وعلى الأجهزة الحكومية في نفس الوقت، فأخذ مصطلح الحكومة الرقمية بالظهور تباعا.
فالحكومات الرقمية هي ببساطة الحكومات التي تستخدم المنصات الرقمية لإنجاز المهام. على مدى العقد الماضي ، بدأ المزيد والمزيد من الدول في تقديم الخدمات الرقمية لمواطنيها.
وفقًا لمسح الحكومة الإلكترونية للأمم المتحدة، في عام 2003، قدمت 33 دولة فقط أي شكل من أشكال الخدمة الحكومية عبر الإنترنت. وبعد 13 عامًا، وجد تقرير 2016 أن 148 دولة كانت تقدم شكلاً من أشكال الخدمة عبر الإنترنت.
كيف يتم التحول إلى الحكومات الرقمية؟
لا يتم التحول إلى الحكومة الرقمية عبر خطوة واحدة ولا عبر جهاز حكومي واحد، وهو ما جعل غالبية حكومات العالم تتأخر عن بلوغ الغاية التامة في رقمنة حكوماتها، فاستخدام المنصات الإلكترونية هنا وهناك لإنجاز بعض المهام لا يعني بالضرورة أن عملية التحول قد تمت واكتملت. بل هناك مراحل قد تختلف من دراسة لأخرى وهي حسب دراسة المنظمة العربية للتنمية الإدارية أربع مراحل.
المرحلة الأولى: هي مرحلة الظهور على شبكة الإنترنت
حيث يتم في هذه المرحلة إنشاء مواقع إلكترونية وإتاحة بعض المعلومات وعرض متطلبات التقديم على بعض الخدمات الحكومية إلكترونيا.
المرحلة الثانية: هي مرحلة تمكين المعاملات الإلكترونية
وتنطوي هذه المرحلة على تطوير منصات لتوفير بعض الخدمات الإلكترونية للمواطنين والتفاعل مع الأجهزة الحكومية. لكن مما يميز هذه المرحلة أن إتمام المتطلبات لا يتم عبر منصة واحدة وإنما عبر منصات مختلفة لا تجعل الأمر يسيرا على كل مواطن.
المرحلة الثالثة هي مرحلة التكامل الرأسي بين الأنظمة الحكومية
يبدأ في هذه المرحلة الربط بين بعض الأنظمة الحكومية المتقاربة مع بعضها أو التابعة لنفس الجهاز الرئيسي من أجل تقديم خدمة أفضل. ومن أمثلة الخدمات التي تقدم في هذه المرحلة إتمام عمليات الدفع إلكترونيا وتجديد رخص القيادة وملكيات المركبات حيث لا تتطلب هذه الخدمات التواصل مع أجهزة مختلفة كثيرا عن بعضها.
المرحلة الرابعة: وهي التكامل الأفقي بين الأنظمة الحكومية
حيث يتم الربط بين أجهزة الحكومة المختلفة، وبالتالي تمكين المعاملات التي تتطلب المرور على أجهزة متعددة تابعة لوزارات مختلفة، مثل خدمة إضافة مولود جديد وإصدار شهادة الميلاد له وبطاقة الهوية وجواز السفر.
تجدر الإشارة إلى أن غالبية الحكومات الرقمية لازالت تتأرجح بين المرحلة الثانية والثالثة ولم تتمكن من تجاوز التحديات وتحقيق تكامل أفقي تام بين أجهزتها المختلفة.
التحديات أمام تحقيق الحكومة الرقمية
- التغير المستمر في التقنية: فكلما تم إنشاء تطبيقات حكومية واعتمادها على أجهزة معينة يتم تحديث التطبيقات والأجهزة مما يحتم على الحكومة إعادة تطوير عملياتها الرقمية وفق التطورات الجديدة.
- الشركات المنفذة: حيث تهتم الشركات المنفذة بالأموال والأرباح أكثر من اهتمامها بتقديم الخدمات التي تناسب الحكومة والمواطن.
- التأكد من الهوية والأمن السيبراني: وهو تحدي يواجه جميع التحولات الرقمية، حيث ستصبح البيانات عرضة للاختراق، وهو ما يشدد على أهمية الأمن السيبراني وطرق التأكد من الهوية الرقمية.
العوامل المساعدة نحو رقمنة الحكومات
- الحوسبة السحابية: حيث يمكن الدخول للخدمات الحكومية من مختلف الأماكن والأجهزة.
- الهوية الرقمية: للتخلص من التحايل وانتحال الشخصية حيث يصبح لكل مستخدم هوية رقمية تميزه عن الآخرين.
- التكامل البيني بين الأنظمة الحكومية: حيث يستفيد كل نظام من الترابط مع الأنظمة الأخرى، بما يسهل انسياب المعلومات، وتقليل الوقت والجهد.
- البيانات المفتوحة: حيث تعمل إتاحة البيانات المتوفرة لدى الأجهزة الحكومية وجعلها مفتوحة المصدر على الاستفادة منها في التحول الرقمي.
- البيانات الضخمة: وذلك بالاستفادة من البيانات التي ستتوفر عن طريق شبكات التواصل أو الحساسات الموجودة في أماكن وخدمات مختلفة لاستخدامها في خوارزميات الذكاء الاصطناعي للتحول إلى الخدمات الذكية.
- إدارة المعرفة: حيث أن الاهتمام بمراكز الأبحاث والتطوير والابتكار هو من أهم العوامل التي ستساعد على التحول نحو الحكومة الرقمية.
الحكومة القطرية والتحول نحو الرقمنة
تعمل دولة قطر على تطويع التكنولوجيا لتحقيق القيمة الحقيقية للحكومة الرقمية وتلبية احتياجات كافة العملاء.
- الأفراد: سيصبح الأفراد من مواطنين ومقيمين وزائرين قادرين على الوصول إلى خدمات الحكومة الرقمية التي تتسم بالبساطة والأمان، والجودة العالية والمتاحة في أي وقت ومن أي مكان.
- الشركات والمؤسسات الخاصة: ستستطيع تسجيل ومزاولة الأعمال والأنشطة التجارية بشكل أسرع وأسهل تماشيًا مع الرؤية الوطنية لتنويع الاقتصاد، والتي تهدف إلى خلق بيئة صحية للاستثمار وتذليل أي عقبات تحول دون مزاولة الأعمال حتى يتسنى للاقتصاد الوطني مواصلة النمو والتطور.
- الجهات الحكومية: ستتمكن الجهات الحكومية من تقديم خدمات أفضل وأكثر فعالية وبالتالي ستوفر وقت وجهد المستخدمين. كما أن استراتيجية الحكومة الرقمية 2020 ستعمل على خلق قدر أكبر من الشفافية.
حيث إن استراتيجية حكومة قطر الرقمية 2020 هي:
تقديم مشاريع الخدمات الحيوية والخدمات الإلكترونية والتطبيقات الحكومية المشتركة ودعم تنفيذ الاستراتيجية وتشغيل مشاريع البنية التحتية الحكومية وإطلاق 1000 خدمة إلكترونية.
استراتيجية قطر للحكومة الرقمية 2021- 2026:
تشمل تلك الاستراتيجية ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الحكومة الرقمية، إضافة لمبادرات متخصصة مثل استخدام الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وخدمات رقمية ذكية وتطبيقات مبتكرة تعمل على تحسين الجوانب المختلفة لحياة الأفراد والشركات، وذلك من خلال حكومة تعتمد على البيانات الضخمة والتحليلات وذكاء الأعمال، ومن خلال تحويل تجربة المستخدمين من خدمات رقمية إلى ذكية لتحقيق متطلبات الجمهور، وإعادة النظر في تجربة المستخدمين بهدف رفع مستوى رضا المستخدمين، وتقليل زيارات مراكز الخدمات من قبل المواطنين والمقيمين.
أن الاستراتيجية الجديدة ستركز أيضاً على الخدمات المقدمة للأفراد، والتي ستكون مبنية على البيانات ونظم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتياجات العميل الفعلية، فضلاً عن نقل البنية التحتية إلى الحوسبة السحابية المحلية.
وكذلك تتضمن التوجيهات الرئيسية للاستراتيجية الجديدة إمكانية توفير المساعدين الرقميين عبر المواقع الحكومية، مثل «شات بوت»، واستخدام التكنولوجيا الناشئة في تقديم الخدمات الإلكترونية، مثل «البلوك تشين»، والزيادة في نشر البيانات الحكومية الذي يساعد على تكوين بيئة متسمة بروح المبادرة الفعّالة وتحسين آليات اتخاذ القرار، وأخيراً إجراءات تنبؤية استباقية مبنية على البيانات وهيكليتها ونظم الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى إنجاز 100% من مشاريع التطبيقات والبنية التحتية، تنفيذ أكثر من 90% من مشاريع الخدمات الحيوية.
أما رؤية 2030 فهي:
تفعيل برنامج TASMU الذي يتعامل مع الحلول الرقمية والابتكار لتسهيل حياة الأفراد، وتفعيل الاقتصاد الرقمي، وتطوير بيئة مستدامة مع قوة التكنولوجيا من أجل مستقبل ذكي، والأهداف الاستراتيجية للبرنامج:
● تسهيل حركة الأشخاص من خلال شبكة مواصلات آمنة صديقة للبيئة.
● تطوير الخدمات اللوجستية وتحفيز الحركة التجارية.
● تحقيق الاستهلاك المستدام للموارد الطبيعية وضمان الأمن الغذائي والمائي.
● تحسين صحة السكان والحصول على رعاية صحية عالية الجودة وبأسعار معقولة.
● تفعيل دور قطر كوجهة عالمية في مجالات الخبرة المميزة لعشاق الرياضة والتدريب الرياضي والمعدات الرياضية المبتكرة.
آلية التنفيذ
ويستلزم التنفيذ وضع هيكل واضح للحوكمة يحدد مسؤوليات مختلف الجهات المشاركة في التنفيذ على النحو التالي:
- يتولى مجلس الوزراء الإشراف العام على تنفيذ استراتيجية الحكومة الرقمية وإقرار التغييرات التشريعية وإصدار القرارات المطلوبة.
- تتولى اللجنة التوجيهية للحكومة الرقمية متابعة تنفيذ الاستراتيجية وتذليل المعوقات التي تواجه التنفيذ والتنسيق مع الجهات الحكومية والتأكد من توافق خطط الجهات الحكومية مع البرامج والمشاريع الخاصة بالحكومة الرقمية.
- مكتب إدارة الاستراتيجية تحت إشراف وزارة المواصلات والاتصالات وهو الوحدة المسؤولة عن إدارة برامج ومشاريع الحكومة الرقمية، ويقدم إلى اللجنة التوجيهية تقارير متابعة التنفيذ وإدارة التحديات والمخاطر التي تواجه التنفيذ.
- وحدة تقييم التحول الرقمي تحت إشراف وزارة المواصلات والاتصالات، وهي الوحدة المسؤولة عن تقييم مستوى التحول الرقمي في الجهات الحكومية والتي تقيّم التقدم في تنفيذ المشاريع ومدى التوافق مع المبادئ الإرشادية للحكومة الرقمية وترفع التقرير السنوي لتقييم التحول الرقمي إلى اللجنة التوجيهية لعرضه على مجلس الوزراء.
- أما السياسات، فسيتم إعدادها من قبل الوزارات المعنية، فعلى سبيل المثال تتولى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مسؤولية وضع السياسات الرئيسية للحكومة الإلكترونية، والمبادئ الإرشادية الخاصة بالبنية والتصميم والسياسات ذات الصلة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتقوم وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية بتطوير العمليات الحكومية، بينما تقوم وزارة المالية باعتماد الميزانية المطلوبة للتنفيذ.
- وتتولى الوزارات الأخرى والجهات الحكومية مسؤولية تنفيذ المشاريع الخاصة بالجهة.
من التطبيقات التي تعتمدها حكومة قطر
1-تطبيق آمرني: هو من التطبيقات التي أتاحتها حكومة قطر للمواطنين والمقيمين فيها، يقدم مئات الخدمات الحكومية التي يمكن إنجازها إلكترونيا.
يمكن للجمهور الاستفادة من خدمات متابعة الشكاوى العمالية للأفراد ومتابعة الترشيح على الوظائف واستخراج شهادة القيد للباحثين عن عمل والحصول على الاحصائية الشاملة للمنشأة، والاستعلام عن حظر المنشأة وإرسال تفاصيل موافقة عمالية وتمديد الإقامة للعمال ومتابعة طلبات الإسكان، والاستدلال على حضانة ومتابعة الشكاوى العمالية للشركات ومتابعة بدل الإيجارات، والموافقة على تحرير سند ملكية والإعفاء من الأقساط وشراء وتملك مسكن بقرض، الى جانب متابعة طلبات استقدام العمالة ويمكن للجمهور التعرف على الاحصائية الشاملة للموافقات وتقديم شكاوى عمالية وأيضا عبر تطبيق (آمرني) يمكن الانتفاع بسكن وقرض والانتفاع بمسكن ذوي الحاجة وحساب نهاية الخدمة للمتقاعدين والإبلاغ عن مخالفة حضانات، وطلب رفع حظر منشأة وتحديث فروع مسئولى المنشأة، وتحديث بيانات مسئولى المنشأة ومتابعة طلبات الضمان والاستعلام عن مستندات الضمان، وطلب صرف قرض كبار الموظفين. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة تم إطلاق 6 خدمات جديدة من التطبيق تشمل الاستعلام عن طلب تمديد الإقامة، وتقديم شكوى العمالة المنزلية وتقديم شكوى على مكاتب العمالة المنزلية، والاخطار بإنهاء العلاقة التعاقدية للأفراد والشركات إلى جانب استعلام على اخطار بانهاء العلاقة التعاقدية. وقد استفاد من هذه الخدمات منذ إطلاق تطبيق (آمرني) حوالى 35529 ألف مستخدم.
2-موقع حكومي: وهو موقع إلكتروني يقدم عددا ضخما من الخدمات الإلكترونية، ويجيب على تساؤلات المستخدمين، يمكن استخدامه بسهولة واضحة، والتعرف على الخدمات التي يمكن إنجازها من خلاله. وهي خدمات متعلقة بإجراءات السلامة والوقاية من الحرائق وإدارة الموانئ وإصدار التأشيرات واصدار تصريح دخول مطار الدوحة الدولي، والحصول على معلومات من مكتبة قطر الوطنية واستقدام عمالة من الخارج استكشاف قطر، والاشتراك في الأنشطة الرياضية والاشتراك في نشرة الأخبار (كتارا)، والإطلاع على فعاليات الأعمال في قطر والإطلاع على نظام الضرائب، ويوفر أيضا خدمات البطاقة الصحية والبطاقة الذكية وخدمات دبلوماسية والتأشيرات والتقديم على التوظيف في قطاعات مختلفة، وهكذا فهو يقدم أكثر من 1000 خدمة إلكترونية في مجالات متعددة.
3-سديم: حيث هي منصة للخدمات السحابية الحكومية وتوفر بيئة تكنولوجية مشتركة ذات فعالية وضمان أمني عالٍ. وتتيح للجهات الحكومية استخدام موارد الحوسبة بقدر كبير من السهولة والسرعة، وفي الوقت نفسه، الاستفادة من تخفيض التكاليف الرأسمالية والتشغيلية للبنية التحتية والأنظمة.
ويهدف إنشاء السحابة إلى:
- تخفيض الكلفة الرأسمالية والتشغيلية.
- الإسراع في الوصول إلى المستخدم من خلال النماذج والخدمات الجاهزة.
- زيادة الكفاءة والأمن بفضل البنية التحتية المشتركة.
- رفع مستويات أمن المعلومات المطابقة لمعايير أمن المعلومات الوطنية.
- ضمان التحديثات وإدارة وتشغيل البنية التحتية المشتركة.
- زيادة مرونة الطاقة الاستيعابية لتكنولوجيا المعلومات وقابليتها للتوسع.
ومن المنصات والخدمات التي توفر تحت مظلة سديم، مايلي:
- خدمات الحوسبة السحابية.
- منصة الخدمات الحكومية الإلكترونية.
- منصة معلومات الأعمال.
- منصة المواقع الحكومية.
- خدمة البريد الإلكتروني الحكومي.
- خدمة ترحيل البريد الإلكتروني.