إن مشروع التجديد في العلوم الإسلامية قد لقي صدى واسعا لدى الباحثين والدارسين المعاصرين خصوصا بعد أن نشرت مخرجاته على شكل أعمال ومصنفات ومقالات مثل صنيع الدكتور يوسف القرضاوي وجمال الدين عطية والدكتور مصطفى الزرقا والدكتور وهبة الزحيلي وغيرهم من علماء الصحوة الإسلامية ورواد فقه التجديد.
ولم يسلم مشروع التجديد هذا من المعارضات الفكرية التي تولى كبرها التقليديون والمروجون إلى "فوبيا التجديد" وليس المقام هنا لبسط الكلام وإجالة النظر والفكر في مشروع التجديد الإسلامي لا تأملا ودراسة ولا نقدا ومراجعة، وإنما نسعى إلى تسليط الضوء على إشكالية ضرب الأمثلة في كتب الفقه الإسلامي وأصوله وإشكال الواقعية باعتبار الإجابة عن هذه الإشكالية جزءا يخدم مشروع التجديد في شقه الشكلي المنهجي الذي يجب أن يطال الكتب الفقهية.
وبعبارة أخرى ألا يمكن تخليص كتب الفقه الإسلامي من الأمثلة التقليدية التي يلغيها الواقع المعاصر؟ والتي لا معنى لبقائها في ظل مستجدات وتطورات حياتية معاصرة أضحت تفرض نفسها كبديل على مستوى منهج ومقصد الإفهام في المادة الفقهية لأن الإنسان مولع بالجديد.
وإذا كان ربط الفقه بالواقع مقصدا تربويا وحريا بتقريب الفقه فإن الأولى هو الجنوح إلى التمثيل الواقعي وصرف النظر عما تجاوزه الشرع والتاريخ.
فتبين إذن أن من مقتضيات التفاعل مع التطورات الراهنة في الحقل الديني والتخطيط للمستقبل الزاهر توظيفها واستعمالها في بطون الكتب الفقهية كأمثلة مجربة نابعة ومنبثقة من الواقع، ووضع حد لما انتهى وجوده تاريخيا كمسائل الرق وبعض الافتراضات النظرية والمذهبية الضيقة واستبعاد المباحث اللاموجودة واللامؤثرة في الحياة مع مراعاة ما يتناسب مع تغير الظروف الزمانية والمكانية وما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في تقديم اجتهادات معاصرة للمسائل التقليدية القديمة.
أما تجميد الدراسات والاقتصار على ضرب الأمثلة التي عكف عليها السابقون (الرق– النبيذ...) وتكرارها والإبقاء على الاصطلاحات الفقهية ( الصاع- الوسق- الأوقية- الدينار...) دون ترجمتها إلى مقادير العصر فهو تعطيل لحركة الفكر عموما وتأزيم لواقع المادة الفقهية خصوصا وتكريس للهوة الحاصلة بين التنظير والممارسة التطبيقية الفقهية في الواقع.
وأخيرا نؤكد على أن الواقع بعدم انتهائية حوادثه يفرض على الفقه الإسلامي بمختلف أبوابه (العبادات والمعاملات وأحكام الأسرة...) مستجدات معاصرة تصلح لأن تملأ فراغ الأمثلة الفقهية واستبدال القديم منها بالجديد.