مستقبل الإسلام موضوع يشغل الجميع، أبناء الإسلام وأعداؤه، والخائفين عليه والخائفين منه، الجميع يتطلع ويترقب ويتساءل: ما هو مستقبل الإسلام؟
الإسلام في أصله وجوهره ومجمل ما جاء به، هو دين واحد؛ هو إسلام الكتاب والسنة، فليس هناك إسلام للماضي وإسلام للحاضر وإسلام للمستقبل، وأقول: إن ثوابت الإسلام العقدية والخلقية والتشريعية، منها ما هو مستمر ومستقر منذ آدم ونوح إلى محمـد عليهـم الصـلاة والسـلام، وهو ماض على ذلك إلى يوم القيامة، وأن إسلام الماضي البعيد هو نفسه إسلام الماضي القريب، وهو إسلام الحاضر وإسلام المستقبل.
إن الإسلام هو دين الله تعالى، وهو حاميه، ونحن كبشر مستخدمون فقط في ذلك، فمن امتن الله عليه برعاية الإسلام، وخدمته فقد شرفه الله تعالى، ومن لم يشأ الله تعالى به ذلك فسيصرفه عنه، كما قال تعالى: (سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ) [سورة الأعراف الآية: 141]
وقد جعل الله تعالى المستقبل لهذا الدين مطلقاً ولأجل ذلك قال: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٌ وَأَجۡرٌ عَظِيم) [سورة المائدةالآية : 9]
قال موسى لقومه: (ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ) [سورة الأعراف الآية: 121]. ثم قال الله تعالى في آية أخرى: (وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ * إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَٰغاً لِّقَوۡمٍ عَٰبِدِينَ * وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةً لِّلۡعَٰلَمِينَ) [سورة الأنبياء الآيات: 105-107]،(وأل) هذه للجنس فإنها تستغرق كل العالم ولا يستثنى منها أحد.
وقال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةً وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ) [سورة القصص الآية: 5]
وقال: (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ) [سورة غافر الآية: 15]
كل هذه نصوص تبين مستقبل الإسلام الزاهر، وأن العاقبة في الحياة الدنيا هي للمتقين من عباد الله، وأن العاقبة في الدنيا والآخرة لهذا الدين، وأن الله تعالى كتب أن الأرض يرثها عباده الصالحون، فهذه مبشرات عظيمة لمستقبل هذا الدين العظيم.
إن مستقبل الإسلام مرتبط بمستقبل البشرية كلها، والدين الحق والرسالة الخالدة، والخاتمة لبقية الرسالات هي دين الإسلام، قال تعالى: (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ ديْنَاً فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِف لِّإِثۡم فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيم) [سورة المائدة الآية: 3]
وإن مستقبل الإسلام هو مستقبل البشرية كلها نحو السعادة، والهداية ونحو تعاليم القرآن، والقيم الإنسانية الرفيعة التي غرسها الله تعالى في الفطرة السوية، والعقول والقلوب السليمة، فلا شك أن الإنسانية جمعاء بحاجة لتعاليم الإسلام.
هذا الإسلام الذي شرعه الله تعالى هو حاجة البشرية في كل جوانب حياتها: السياسي، هو الذي أتى بالحريات ومنع الإكراه، وفي الجانب الاقتصادي حرم الاستغلال والربا والاحتكار والغش والخداع... وفي الجانب الاجتماعي شرع الأسرة وحرم الجنْدَرة وغيرها.
مبشرات مستقبل الإسلام من الواقع:
ومبشرات مستقبل الإسلام الواقعية كثيرة، فالآن يثوب الناس إلى دين الله أفواجاً، والتدين في كل مكان أحسن وأفضل وأكثر مما مضى، حتى الأذان على المستوى العالم لا يتوقف ولا لحظة، وهذا لم يكن موجوداً قبل مئة سنة فأكثر.
ولننظر إلى الشباب والتدين الذي نراه فيهم، وحبهم للإسلام وقيمه، وكذلك النساء وعودتهم إلى الحجاب والأخلاق الفاضلة، وانتشار الجامعات والمؤسسات التعليمة هذه كلها مبشرات على مستقبل الإسلام الزاهر.
مبشرات مستقبل الإسلام من تاريخ الأمم:
بعد سقوط دولة الموحدين كانت قابلية الناس للاستعمار جاهزة مهيئة، وكان المغرب الأقصى تحت الاحتلال الإسباني والفرنسي مسلوبَ الإرادة السياسية والاقتصادية والثقافية.
وفي الجزائر كان هناك استعمار شمولي بالكامل استهدف الهوية، والحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبقيت الجزائر مع الاحتلال في أسوأ حالاتها، والجزائر الآن متقدمة نحو شهود حضاري، وفي ليبيا كان الاستعمار الإيطالي يقتل، ويهتك الأعراض والتنصير.
فإذا نظرنا إلى حال المسلمين اليوم نجده أحسن مما كان عليه سابقا بكثير، قد كنا في عهود ظلامية استعمارية والآن الأمة تقاوم وتناضل وتطالب بحقوقها، وتضحي من أجل كرامتها.
وكل ما يحصل في الأمة في هذا الزمن هو بمثابة الابتلاء حتى نصل إلى الشهود الحضاري فيما بعد، ونحن الآن في طور الابتلاء، ولا يكون شهود حضاري إلا بعد ابتلاء، ثم سيكون هناك المستقبل الزاهر للإسلام وللأمة الإسلامية.
وقد مر سيدنا نوح في ابتلاء عظيم في نهاية الحضارية الإنسانية الأولى، ثم أنشأ الحضارة الإنسانية الثانية، ( قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰام مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٍ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم) [سورة هود الآية: 48].
لقد نزل نوح عليه السلام بسلام من الله وبركات، وباشر مهمته الإيمانية في خلافة الأرض، ومعه مقومات الحضارة الجديدة التي حملها معه في الفلك من كل زوجين اثنين وفيها المؤمنون كلهم، ولقد كان التدخل الإلهي لكي يصحح مسار قوم نوح من خلال الطوفان والغرق للجاحدين، والسفينة والنجاة للمعتصمين بالله؛ لكي ينطلقوا لتأسيس جديد للحضارة الإنسانية والرقي بها إلى رؤية أشمل لتحقيق العبودية لله ومفهوم الخلافة في الأرض، وبالتالي تكون دعوة نوح قد انتقلت من المكان الطبيعي إلى المكان التاريخي مستكملة رسالة آدم - عليه السلام - التي انتقلت من الزمان الطبيعي إلى الزمان التاريخي وأسست المؤسسة الأسرية، وها هي رسالة نوح تؤسس المؤسسة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتشريعية في إطار الرسالة الإلهية عبر التاريخ الإنساني.
وأفضل من رسم فقه الحضارة الربانية لمسيرة الإنسانية على مرِّ تاريخها الطويل، هم الأنبياء والمرسلين، وبالتالي هم قادة حضارات إنسانية عظيمة أصلت لمفهوم التوحيد والعبادة والقيم والعمارة والاستخلاف والارتقاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي والروحي والنفسي والعمراني والمادي المنبعثة؛ قيم مستمدة من الوحي الرباني.
والدراسات المختصة -كمركز (بيو) الأمريكي-هو الذي قال إن الإسلام سنة 2050م سيكون الديانة رقم واحد، وسيتَجاوزون مليارين.
وهناك دراسات أخرى تقول إن الإسلام الدين الوحيد الذي يتقدم، والديانات الأخرى تتراجع، وإن هذه الحرب الشديدة اليوم على الإسلام تحمل في طياتها بشارةً، ولو كان الإسلام ضعيفاً لما حورب هكذا، ومع ذلك فإنه ينتشر بكثرة، ويتمثل دورنا في بذل جهود جبارة لبيان الإسلام الصحيح، وتنقيته من الشبهات.
حسب تقارير علمية غربية – أمريكية على وجه التحديد- إنَّ الإسلام يسير في العشرين أو ثلاثين سنة المقبلة إلى أن يصبح مليارين من الناس، نقول: ملياران في هذه اللحظة، ومليارات أخرى تعاقبت على هذا الدين منذ بدايته.
هذه المليارات من أذكياء، وعقلاء، وعباقرة، ومفكرين، وفلاسفة كلهم-مجمعين-فحصوا هذا الدين، ليس كلهم آمنوا بحد السيف، أو بالتبعية، بل آمنو بما تبيَّن لهم من براهين.
فالشهود الحضاري – والمستقبل الجميل – قادم لا محالة، وهو لمصلحة الإنسانية المعذبة الضائعة التائهة، من خلال القيم التي يحملها هذا الدين العظيم.