قام ألب أرسلان بحملة كبيرة ضد الأقاليم النصرانية المجاورة لحدود دولته، وقاد جيشه نحو جنوبِ أذربيجان واتجه غرباً لفتح بلاد الكُرج والمناطق المطلَّةِ على بلاد البيزنطيين، وكان سكان الكرج يكثرون من الغارة على أذربيجان، فأصبحوا مصدر قلق لسكان المنطقة، وانضم إليه وهو في مدينةِ مرند في أذربيجان أحد أمراء التركمان، ويدعى طغتكين، وكان دائم الغارة على تلكَ المنطقة، عارفاً بمسالكها، واجتاز الجيش السلجوقي نهر الرس، في طريقه إلى بلاد الكُرج، وفصل ألب أرسلان أثناء زحفه قوة عسكرية بقيادة ابنه ملكشاه، ووزيره نظام الملك هاجمت حصوناً ومدناً بيزنطية منها حصن سُرماري، ومدينة مريم نشين الحصينة، وفتحها واستمرت فتوحاته الكبيرة في الأراضي الأرمينية، ويبدو أن ملك الكُرج هاله التوغل السلجوقي في عمق المناطق الأرمنية؛ فهادن ألب أرسلان، وصالحه على دفع الجزية.
ونتيجة لهذا التوغل السلجوقي أضحى الطريق مفتوحاً أمام السلاجقة للعبور إلى الأناضول بعد أن سيطروا على قلب أرمينية، فأغاروا على المناطق الحدودية، واستولوا على دروب الأمانوس في عام (459 هـ)، وهاجموا قيصرية حاضرة كبادوكية في العام التالي، جرى كل ذلكَ ولم يبذل الإمبراطور البيزنطي جهداً كبيراً لمقاومة هذه الغارات، مما شجّعهم على التوغل في عمق الأناضول فوصلوا إلى نيكسار، وعمورية في عام (461 هـ)، وإلى قونية في العام التالي، وإلى خونية القريبة من ساحل بحر إيجه في عام (463 هـ).
شكل فتح السلاجقة لبلاد الكرج، والقسم الأكبر من أرمينية، تحدياً لبيزنطة وبخاصة بعد أن أدرك الإمبراطور البيزنطي: أن ألب أرسلان يصبغ غزوه للبلاد بصبغة الجهاد الديني، وهو يطبع المناطق المفتوحة بالطابع الإسلامي، مما جعل نشوب الحرب بين المسلمين والبيزنطيين أمراً لا مفر منه.
1 ـ تآمر ملك الروم على الإسلام:
خرج ملك الروم (رومانوس) في جمع كبير من الروم، والروس، والكرج، والفرنجة، وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذلكَ الجمع بثلاثمئة ألف جندي، أعدهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر، واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلةٍ من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه، قيل: إنهم قرابة خمسة عشر ألفاً، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له، وقال قولته المشهورة، أنا أحتسب عند الله نفسي، وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر ومن حواصل النسور الغبر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أُمسي، ويومي خير من أمسي. وهجم بمن معه على مقدمة الأعداء وكان فيها عشرون ألفاً معظمهم من الروس، فأحرز المسلمون عليهم انتصاراً عظيماً، وتمكنوا من أسر معظم قوادهم.
2 ـ أرسل السلطان ألب أرسلان بالمصالحة إلى ملك الروم:
ثم أرسل السلطان ألب أرسلان من قبله وفداً إلى إمبراطور الروم، وعرض عليهِ المصالحة، ولكنه تكبر وطغى، ولم يقبل العرض، وقال: هيهات!! لا هدنة، ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم، وجاء في رواية: لا هدنة إلا ببذل الري، فحميَ السلطان وشاط، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي : إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره، وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمكَ هذا الفتح، فلاقاهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون فيها الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين .
3 ـ اندلاعُ المعركة وانتصار المسلمين:
أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة، واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي العقدة سنة (463 هـ)، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر، ودعا الله تعالى، وابتهل، وبكى، وتضرع، وقال لهم: نحن مع القوم تحت الناقص ، وأُريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض، وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحباً، فما ها هنا سلطان يأمر ولا عسكر يُؤمر، فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغازٍ معكم، فمن تبعني، ووهب نفسهُ لله تعالى فله الجنة، أو الغنيمة، ومن مضى حقت عليهِ النارُ والفضيحة، فقالوا: مهما فعلتَ تبعناكَ وأعناكَ عليه، فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت، وقال: إن قتلتُ فهذا كفني.
ثم وقع الزحفُ بين الطرفين ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه، ومرغَ وجهه بالتراب، وأظهر الخضوع، والبكاء لله تعالى وأكثر من الدعاء، ثم ركب وحمل على الأعداء، وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا، حتى زلزل الله الأعداء، وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر اللهُ المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم جموعاً كبيرةً، كان على رأسهم ملك الروم نفسه الذي أسره أحد غلمان المسلمين، فأحضر ذليلاً إلى السلطان، فقنّعهُ بالمقرعة، وقال: ويلكَ ألم أبعث أطلب منكَ الهدنة؟ قال: دعني من التوبيخ.
قال: ما كان عزمك لو ظَفرت بي؟ قال: كل قبيح، قال: فما تؤمِّلُ وتَظُنُّ بي؟ قال: القتل أو تُشهّرني في بلادكَ، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء، قال: ما عزمتُ على غيرها، فاشترى نفسهُ بألف ألف دينار وخمسمئة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده، فخلع عليهِ، وبعث معهُ عدة، وأعطاه نفقة توصله، وأما الروم فبادروا وملَّكوا آخر، فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهب، ثم جمع ما وصلت يده إليهِ نحو ثلاثمئة ألف دينار، وبعث بها، واعتذر. وقيل: إنه غلب على ثغور الأرمن.
لقد غزا ألب أرسلان بلاد الروم مرتين، وافتتح قلاعاً، وأرعب الملوك، ثم سار إلى أصبهان ومنها إلى كرمان، وذهب إلى شيراز، ثم عاد إلى خراسان، وكاد أن يمتلك مصر.
4 ـ نتائج ملاذكرد (463 هـ):
أ ـ تعتبر معركة (ملاذكرد) من المعارك الفاصلة في التاريخ، ويسميها بعض المؤرخين باسم الملحمة الكبرى، وتعد أكبر نكسة في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، وأصبحت الأراضي البيزنطية تحت رحمة السلاجقة، وبذلكَ يكون السلاجقة قد تابعوا الجهاد الذي قام به المسلمين ضد الروم .
ب ـ لم يكن هذا الانتصار انتصاراً عسكرياً فقط، بل كانَ انتصاراً دعوياً للإسلام؛ إذ انتشر السلاجقة في آسيا الصغرى عقب معركة ملاذكرد، وضمُّوا إلى ديار الإسلام مساحة تزيد على (400) ألف كيلو متر مربع، عمّ الإسلامُ تلكَ الجهات مُنذُ ذلكَ الوقت، ولم يكن دخلها أبداً من قبل ، فإن هذه المرحلة من تاريخ الإسلام كانت مرحلة امتداد وتوسع أيضاً، ولم تكن مرحلة جمود وتوقف؛ كما يتصور كثير من الناس ممن يقرؤون التاريخ الإسلامي على عجالة، ويتوقفون عند نهاية العصر العباسي الأول، ويجملون العصر الثاني بكلمات تدل على الضعف، والتفكك، والتوقف.
وخصوصاً إذا ذهبنا إلى المغرب والأندلس حيث دولة المرابطين السنية التابعة للخلافة العباسية، فبعد ست سنوات من معركة ملاذكرد، أي: في عام (469 هـ)، استطاعَ المرابطون في المغرب أن يفتحوا عاصمة إمبراطورية غانا (كومبي صالح)، وأن يفرضوا الإسلام على جميع البلاد، وقد وافق ملك غانا (تنكامنين) على الدخول في الإسلام والخضوع لسلطان المرابطين، وقد دخل كثير من الشعب في الإسلام أيضاً، وبذا تكونُ ديار الإسلام قد امتدت في إفريقية على مساحة جديدة تقرب من نصف مليون كيلو متر مربع، وفي الوقت نفسه فقد اتسعت ديار الإسلام في الجنوب الشرقي في الهند، وفتحت مساحات واسعة من شمال تلك البلاد .
جـ ـ تعتبر هزيمة البيزنطيين في ملاذكرد نقطة تحول في التاريخ الإسلامي البيزنطي، فلأول مرة يقع الإمبراطور نفسه أسيراً في أيدي المسلمين، فهي لا تقل أهمية عن اليرموك ونتائجها، فإذا كانت هذه الأخيرة قررت مصير بلاد الشام، فإن الأولى قد قررت مصير آسيا الصغرى، التي نجح الأتراك السلاجقة في فتحها والتوغل فيها، وكانت بذلكَ لبنة اجتثت من بناء الدولة البيزنطية، فمهدت لسقوطها، فعندما فقدت الإمبراطورية ولايتها الغنية في آسية الصغرى، أصبحت القسطنطينية رأساً حُرم من الجسد الذي يسنده، وبذلكَ غدت آسية الصغرى برمتها مكشوفة أمام السلاجقة، وهكذا بضربة واحدة رفعت الحدود التقليدية، التي طالما فصلت بين الإسلام والمسيحية 400 ميل إلى الغرب، ولأول مرة استطاع الأتراك السلاجقة أن يحرزوا مكاناً ثابتاً في تلكَ البقاع، ومُنذُ ذلكَ الحين فقد الرؤساء والجنود شجاعتهم ولم تحرز الإمبراطورية نصراً على الإطلاق .
د ـ ومن نتائج ملاذكرد أن قضى السلاجقة على التحالف البيزنطي الفاطمي، واضطرت بيزنطة إلى مصالحتهم، أما أرمينية فقد زالت منها الإدارة البيزنطية بعد أن هجرها سكانها، وخضعت المدن الأرمنية للسلاجقة ، كما انهار نظام الدفاع البيزنطي الذي تولاه أمراء التخوم، وبذلكَ تعرض نظام الثغور لضربة قاسية لا سيما وأن بيزنطة لجأت بعد المعركة إلى إنزال حاميات من الجند المرتزقة في أرمينية وأثرها، ولم تحاول الاستعانة بالسكان الأصليين .
هـ تُعد معركة ملاذكرد أشد ما وقع في التاريخ البيزنطي من كوارث، بل إنها أكبر كارثة حلت بالإمبراطورية البيزنطية حتى نهاية القرن الخامس الهجري، وجاءت دليلاً على نهاية دور الدولة البيزنطية في حماية النصرانية من ضغط الإسلام، وفي حراسة الباب الشرقي لأوربة من غزو المسلمين، وتراءى للصليبيين فيما بعد أن البيزنطيين فقدوا على أرض المعركة ما اتخذوه من لقب حماة العالم النصراني، وبرَّرت هذه المعركة ما جرى من تدخل الغرب الأوروبي؛ لأن بيزنطة لم يعد بوسعها حماية العالم النصراني في الشرق وأصبحت عاجزة عن أن تُلقي بجيش في المعركة لأعوام عديدة.
كما أن هذه المعركة مهدت الطريق ويسرت السبل للقضاء على سيطرة البيزنطيين على أكثر أجزاء منطقة آسية الصغرى، مما ساعد على القضاء على الدولة البيزنطية نفسها بعد ذلكَ على أيدي الأتراك العثمانيين.
و ـ يُـعَـدُّ الأتراك أكثر العناصر العسكرية الأجنبية إفادة من الأوضاع المضطربة التي سادت المجتمع البيزنطي، والوضع السياسي بعد معركة ملاذكرد. فقد حاولت الأطراف المتنازعة في بيزنطية أن تستعين بالقوات التركية ضد بعضها البعض مما أتاح للسلاجقة، التوغل في صميم الحياة البيزنطية .
ـ أقدمت السلطات البيزنطية في القسطنطينية على عزل الإمبراطور رومانوس الرابع، وأجلست مكانه ميخائيل السابع بن قسطنطين العاشر دوقاس، وحاول رومانوس في غمرة هذا الصراع أن يستعين بالقوات التركية، غير أن الهزيمة لحقت به وتقرر إلقاء القبض عليهِ وسمل عينيه.
ح ـ انتهج معظم الأباطرة البيزنطيين بعد رومانوس الرابع نهجه في الاستعانة بالأتراك كلما واجهتهم محنة، فعندما أعلن روبيل بايليل قائد قوات الفرنج المرتزقة العصيان على الدولة البيزنطية، استعان ميخائيل السابع بالقوات التركية لقمع حركته، كما استعان بالأخوين منصور وسليمان، من أقارب السلطان ألب أرسلان للقضاء على ثورة نقفور بوتانياتسي، على أن الأخوين لم يلبثا أن تخليا على الإمبراطور ودخلا في خدمة بوتانياتس، فأنزلهما في مدينة نيقية ، وعلى هذا النحو استولى الأتراك على مقاطعتي جالايتا في وسط بلاد الأناضول وفريجيا المجاورة.
ط ـ لقد حقَّق ألب أرسلان هدفه؛ إذ كفل الحماية لجناح جيشه، وأزال خطر التقارب بين بيزنطية والفاطميين، وانصرف بعد ذلكَ لمواصلة القتال في إقليم ما وراء النهر حيث قضى نـحبـه عـام (465 هـ)، ولم ينفذ ابنه وخليفته في الحكم ملكشاه إلى آسية الصغرى؛ غير أن رعاياه من الأتراك اتخذوا من سهــول وسط آسية الصغرى، مراعيَ تنتجعها الأغنام، وعهد إلى ابن عمه سليمان بن قُتلمش بأن يستولي على هذا الإقليم لصالح الأقوام التركية.
دروس وعبر وفوائد
تظهر مجموعة من الفوائد والدروس والعبر من معركة ملاذكرد منها:
1 ـ أهمية الإخلاص لله والاستعداد للموت في سبيله واللجوء إليه في تحقيق انتصارات المسلمين في معاركهم الكبرى.
2 ـ دور العلماء في تثبيت القادة والجنود وتذكيرهم بالله واليوم الآخر، وأثر الوعظ والتذكير في شجاعة الجنود، واندفاعهم، وخصوصاً عندما يكون العلماء في ميادين النزال وساحات المعارك.
3 ـ من أسباب النصر وجود القائد الخبير المحنك والجيش القوي المنظم.
4 ـ أهمية الصبر عند مواجهة الأعداء في المعارك، تلك الصفة الربانية التي أمر الله بها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [آل عمران: 200] فالجيوش الإسلامية التي تتحلى بهذه الصفة يحالفها نصر الله تعالى.
5 ـ وفاة السلطان ألب أرسلان (الأسد الشجاع):
في سنة خمس وستين وأربعمئة قصد السلطان ألب أرسلان ما وراء النهر، وعبر نهر جيحون، وكانوا مئتي ألف فارس، فأتي بعلج يقال له: يوسف الخُوارزمي، كانت بيده قلعة، قد ارتكبَ جريمة في أمر الحصن، فحمل مقيداً، فلما قرب منه أمر أن تُضرب له أربعة أوتاد لتشدَّ أطرافهُ الأربعة إليها، ويعذبه، ثم يقتله، فقال لهُ يوسف: يا مخنث، مثلي يقتل هذه القتلة؟! فاحتدَّ السلطان، وأخذ القوس والنشابة، وقال: حلّوه من قيوده، فَحُلّ، فرماهُ فأخطأه، وكان مُدِلاًّ برميه، قلما يخطأى فيه، وكانَ جالساً على سريره، فنزل فعثر ووقع على وجهه، فبادره يوسف المذكور، وضربه بسكين كانت معهُ في خاصرته، فوثب عليهِ فرَّاش أرمني، فضربهُ في رأسه بمرزبة فقتله، فانتقلَ ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحاً، وأحضر وزيره نظام الملك وأوصى به إليه، وجعل ولدهُ ملكشاه أبو شجاع محمد وليّ عهده.
ثم توفي السلطان، وذلكَ في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وأربعمئة وله أربعون سنة، وترك من الأولاد ملكشاه، وإياز، وتَكشِي، وبورى برس، وأرسلان أرغون، وسارَّة، وعائشة، وبنتاً أُخرى، وقيل: توفي عن إحدى وأربعين سنة، ودفن عند والدهِ بالري رحمه الله تعالى، ويحكى: أنه قال لما عاين الموت بعينه: ما كنتُ قط في وجه قصدتهُ، ولا عدو أردتهُ إلا توكلتُ على الله في أمري، وطلبت منه نصري، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفتُ من تل عالٍ، فرأيتُ عسكري في أجملِ حال، فقلتُ: أين من له قدرة مصارعتي، وقدرة معارضتي، وإني أصل بهذا العسكر إلى أقصى الصين، فخرجت عليَّ منيتي من الكمين .
وجاء في الرواية فقلتُ في نفسي: أنا ملك الدنيا وما يقدر أحدٌ علي، فعجّزني اللهُ تعالى بأضعفِ خلقهِ، وأنا أستغفرُ الله، وأستقيلهُ من ذلكَ الخاطر، وعلى القادة والحكام أن يستشعروا بنعائم الله عليهم، ويتذكروا فضله وإحسانه، وينسبوا الفضلَ لله تعالى صاحب المنِّ، والعطاء، والإحسان، والإكرام. ولما بلغ موته أهل بغداد أقام الناس له العزاء، وغُلقت الأسواق، وأظهر الخليفة الجزع عليه، وتسَلَّبت ابنتهُ الخاتون وجلست على التراب.