تقال القيم في الطريق الذي يكون على خط مستو والإنسان المستقيم هو الذي يلزم المنهج المستقيم (1)، هناك العديد من التصريفات المشتقة من لفظ "قوم" ومنها: القيم والقيوم والاستقامة والقائم وما سواه.
ولو جمعنا بعض تصريفات لفظ "قَوَمَ" في الآيات القرآنية لوجدنا ما يلي:
ورد مصطلح الاستقامة والمستقيم في القرآن الكريم بمعنى الهداية والطريق المستقيم العدل، قال ابن كثير في تفسير قوله –تعالى– (لمن شاء منكم أن يستقيم) أي من أراد الهداية. والتقويم هو بيان قيمة الشيء وقد ورد في القرآن الكريم بمعنى حسن الصورة والهيئة، قال ابن كثير في تفسير قوله – تعالى– (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم): أي أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل، منتصب القامة سوي الأعضاء وحسنها(2).
والمقصود بالقيم الإسلامية اصطلاحا: تلك المرتكزات التي تقوم عليها الحياة كما حددها الوحي المعصوم في علاقة الإنسان بنفسه ومحيطه وخالقه.
فهي قيم إنسانية من حيث كونها مطلقة وإسلامية من حيث كونها موجّهة بالتشريع الإسلامي الضامن لوجودها واستمرارها في كيان النشء (3).
ويشير مفهوم القيمة إلى حالة عقلية ووجدانية يمكن تعرفها في الأفراد والجماعات والمجتمعات من خلال مؤشرات هي: المعتقدات والأغراض والاتجاهات والميول والطموحات والسلوك العملي وتدفع الحالة العقلية والوجدانية صاحبها إلى أن يصطفي بإرادة حرة واعية وبصورة متكررة نشاطا إنسانيا يتسق فيه الفكر والقول والفعل ويرجحه على ما عداه من أنشطة بديلة فيستغرق فيه ويسعد به ويحتمل فيه ومن أجله أكثر مما يحتمل في غيره دون انتظار لمنفعة ذاتية (4).
أما أصول القيم الإسلامية، فهي تتمثل في القرآن الكريم وفي السنة النبوية.
وقد حدد القرآن في سورة (المؤمنون) بعض قضايا الإنسان والمجتمع ووضع أمام كل قضية معيار التقويم فيها حتى يعرض الإنسان سلوكياته وتصرفاته عليها فينظر هل حفظ أم ضيّع قال تعالى: (قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
ومما يتسم به الخطاب القرآني انسجامه مع النفس البشرية عند تربيتها ومراعاته لحالها، ففي قصة آدم -عليه السلام- كان النهي في غاية الوضوح عن الاقتراب من الشجرة بل قرنه بالوعيد فقال: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) ولكن بعد اقتراف الذنب تكون النفس منكسرة لا تحتمل الوعيد والخطاب الشديد فجاء العتب رقيقا (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) وقال "ناداهما" مما يوحي بالاستيعاب والاحتواء وهو ربهم مدبر أمرهم وكافل شأنهم.
أما السنة النبوية فهي مصدر آخر أيضا لكونه – صلى الله عليه وسلّم – قدوة حسنة للمؤمنين والسيرة هي الجانب التطبيقي من الإسلام. ومما يلاحظ أنه – عليه الصلاة والسلام – كان يلحظ نفسية السائل وقابليته للتعليم، فيجيب بحسب ذلك أجوبة تختلف في الشكل والموضوع. فمن حيث الشكل هي بين الطول أحيانا والقصر أحيانا، ومن حيث الموضوع هي دواء مناسب لداء السائل. فمثلا أن رجلا جاءه فقال أوصني يا رسول الله، فيقول: لا تغضب ويكررها مرارا. ولكننا نجده يقول لمعاذ بعد أن أجابه عن سؤاله الذي قال فيه: (يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار) بقوله عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه.. ألا أدلك على أبواب الخير.. ألا أدلك على ملاك ذلك كله) يقترح عليه الزيادة في النصيحة والسبب ما ذكرنا من حكمة في النظر إلى قابلية المتعلم للتلقي (5).
وتتسم القيم الإسلامية بالربانية لأنها مستمدة من الوحي كما ذكرنا وبالواقعية فالإنسان ليس مطالبا بالامتثال لجميع القيم في وقت واحد فورا لأن ذلك غير ممكن وإنما الترقي في سلم الوصول قدر المستطاع، فإنزال بعض القيم على أرض الواقع يخضع لسنة التدرج، وتتسم أيضا بالعالمية فقيم الإسلام ليست للمسلمين خاصة وإنما هي منفتحة على جميع الأمم والشعوب ولكن تمسك الإنسان بالقيم الإنسانية خارج إطار الإسلام يفيده في دنياه وحسب.
وتتسم بالتكيف فالتربية الإسلامية لم تضع لقيمها قوالب جاهزة لا بد أن تفرغ فيها وإنما أمرت بضرورة تحقق الجوهر بأشكال مختلفة تستجيب لحاجات الزمان والمكان والأحوال فأمرت بتحقيق الشورى مثلا في المجتمع ولم تحدد الكيفية والوسائل. ومن السمات أخيرا الاستمرار ومن مظاهر استمرارها تكرر حدوثها في سلوك الناس حتى تستقر قال – صلى الله عليه وسلم – "لا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا"، فالصديق يجب أن يستمر في سلوكه هذا حتى يستحق هذا اللقب.
وأخيرا تقسّم القيم بمعايير عدّة منها المعيار الشرعي، فتكون قيما في العقائد وقيما في العبادات وقيما في المعاملات. ومن الممكن أن تقسّم بالمعيار العلائقي ونقصد بها ما يقوم على تنظيم العلاقات؛ فتكون قيما منظمة لعلاقة الإنسان مع خالقه أولا، ثم مع نفسه، ثم مع أسرته ومجتمعه البشري، ثم مع محيطه العام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.