هذه ورقة سبقها مثيلات لها، وستتلوها دون شك نظيرات أخريات.. تهدف - في ما نرجو ونحسب - إلى تأسيس تقليد علمي للنقد البناء، الذي يسعى إلى التقويم الإصلاح، وينأى بنفسه عن الهدم والإسقاط. إنها محاولة للتقويم بعد التقييم.
لا يصح لفظ التقييم في اللغة؛ ولكن أجازه مجمع اللغة العربية بمعنى تقدير القيمة، فجاء في المعجم الوسيط: قيّم الشيء تقييما قدّر قيمته". فعلى هذا، يكون التقويم هو الإصلاح والتعديل، ويكون التقييم بيان القيمة.
تعتني بوضع المحاور الكبرى التي يجب أن يؤسس النقاش حولها لأن مصير التيار الإسلامي كله مبني عليها، وتستبعد الإشكالات الفرعية التي يمكن حلها في إطار عمليات التقويم الداخلي الدورية التي لا تخلو حركة منظمة من ممارستها. وإنني - على الرغم من جميع ما قلت في مناسبات سابقة، وما سأقوله في مناسبات لاحقة بإذن الله تعالى -، لا أزال أطمع في أن يخرج الله تعالى من هذه الحركة الإسلامية أجيالا تعيد حمل مشعل الإصلاح الشامل، وتنقذ الأمة من وهدتها الحضارية، وتعيد لها سابق أمجادها على محض شريعة رب العالمين.
تقتضي نظرية تأثير الدومينو" أن الطوائف المنتسبة إلى منظومة فكرية معينة، تتأثر سلبا وإيجابا بما يقع على الطوائف الأخرى التي تشاركها في نفس المنظومة الفكرية. نظريتي التي لا أفتأ أذكر بها وأبتلى من العقول الصغيرة بسببها: أن التيار الإسلامي كتلة فكرية واحدة، مهما تعدت الاجتهادات، بل مهما وقع في بعضها من انحراف جهة التميع أو التشديد.
ولكنني أيضا أعلم علم اليقين أن ذلك لن يكون إلا بأن تفتح هذه الحركة آذانها لنقد الناصحين المشفقين، وتصمّها عن المداحين المطبلين، محترفي تطرية الوجوه الكالحة الباسرة، وسدنة هيكل التسويغ للمنكرات الظاهرة. ولن يكون أيضا إلا إذا تحررت هذه الحركة من القيود الثقيلة التي تمنعها من الانطلاق في فضاء التجديد المنضبط، والتفاعل الإيجابي
مع النقد الهادف، وعدم الاستكبار عن مشاهدة الانحراف الذي لا يكاد يسلم منه سائر حال مسیره.
وقد جعلت هذه الورقة مبتدأة بتمهيد أقرر فيه الإشكال الذي دفع إلى تحريرها، ثم أتبعته بثلاثة محاور تنتظم ثلاثة أسئلة كبرى تحتاج الحركة الإسلامية إلى إعادة النظر فيها، هي: سؤال الغاية والوسيلة، وسؤال السياسة بمعنييها الواسع والضيق، وسؤال الدعوة والدولة؛ ثم ختمت الورقة بمحور يستشرف آفاق التجديد والتصحيح. وأسأل الله تعالى التيسير والسداد في القول والعمل .
تقرؤون في الورقة:
- منطلق الإشكال
- سؤال الغایة والوسیلة
- سؤال السیاسة الضیقة والسیاسة الشاملة
- سؤال الدولة والدعوة
- آفاق التجدید والتصحیح