ما إن اتسعت رقعة تفشي فيروس كورونا "كوفيد 19" حتى أصبح اكثر تهديدا على الإنسانية، وصنَّفته منظمة الصحة العالمية "جائحة" في 11 مارس 2020، بعدها دخل العالم حربا صحية مفتوحة يكون فيها اللقاح هو السلاح لاحتواء الجائحة وأداة للردع الوبائي والحفاظ على الأمن الصحي العالمي.
فدخلت القوى العالمية في تنافس على قضية اللقاحات المضادة لـ كوفيد 19 من أجل تخليص البشرية من الخطر الوبائي الذي يهددها، لكن سيطرة المصالح الوطنية على التعددية والتعاون الدولي الذي تدعو إليها منظمة الصحة العالمية، جعل السباق نحو اللقاح موضوعا طبيا وجيوسياسيا في نفس الوقت لأنه أدرج ضمن محددات السياسة العليا للدول فقد دفعت قضايا المكانة والتنافس و"القوة الناعمة" القوى العالمية إلى إيجاد ساحة جديدة للتنافس واستعراض التفوق العلمي بدلا من العمل الجماعي.
ولفهم التنافس المحتدم على تطوير اللقاحات لمواجهة الجائحة والتهديدات غير التقليدية على أمن الدول القومي وكذا العالمي، نبحث في هذه الدراسة إشكالية تفسير التسابق الدولي حول اكتشاف لقاح كوفيد 19؟ وهل تعتبر الوحدات الدولية في حالة تنافس من أجل إيجاد اللقاح ضد كوفيد 19 أم في حالة تعاون؟ وما هي المكانة الجيوسياسية التي يحتلها لقاح فيروس كوفيد 19 في إطار منظومة العلاقات الدولية؟
الأطر النظرية للأمن الصحي في العلاقات الدولية
أصبح صراع الدول مع فيروس كورونا يمثل لحظة انعكاس في مسار العالم ومرحلة مفصلية في التاريخ الحديث، وتطرح إشكالية الأمن الصحي نتيجة هذا الوباء مرة أخرى دور عامل القوة التكنولوجية وقوة المعرفة في مواجهة التهديدات غير التقليدية التي تمس البيئة والصحة وغيرَهما، بحيث إن هذا العامل يطرح نفسه بشدة في الوقت الراهن كخيار حتمي للبقاء وفرض الذات في إطار منظومة العلاقات الدولية.
لقد تعززت مكانة مفهوم “الأمن الصحي” عندما تم تضمينه في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام 1994، وذلك باعتباره أحد أركان مفهوم “الأمن الإنساني” الحديث الاصطلاح في ذلك الوقت، حيث ناقش التقرير حينها ضرورة توسعة وتعميق مفهوم الأمن والانتقال به من الفهم التقليدي القائم على محورية الدولة إلى فهم إنساني أوسع وأعمق يقوم على محورية الناس.
وأكد التقرير في حينها على إن وحدة التحليل الأساسية لمفهوم الأمن الإنساني تتمثل في “الناس” عوضا من “الدولة” وذلك في سياق ما يواجهه أمن الأفراد من تحديات خطيرة. وقد ناقش التقرير موضوع الأمن الإنساني الذي يجب توسيعه ليشمل على التهديدات والمخاطر الكامنة في سبع مجالات، أحدها هو ما بات يعرف بالأمن الصحي.
وفي ذات السياق، يُشكل الاجتماع التاريخي لمجلس الأمن الدولي في سنة 2000 علامة فارقة في كيفية التعاطي مع الأمراض، حيث أعلن المجلس ولأول مرة في أن فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز بات يشكل تهديدا نابعا من مجال الصحة للاستقرار والأمن. ومن ثم فقد جرى تحول في المفاهيم الأمنية لتستوعب التهديدات الصحية جراء الأمراض باعتبارها من بين اهتمامات الأمن الدولي والقومي والإنساني. وانعكس هذا التحول ليترك آثاره في العديد من الدراسات الدولية عموما والدراسات الأمنية على وجه التحديد. ومع ذلك، وعلى الرغم من تزايد الاهتمام الأكاديمي العلمي والسياسي بقضايا الصحة والأمن، فإن مصطلح الأمن الصحي ما يزال يفتقر إلى تعريف مشترك وعام.
فمفهوم الصحة العامة من منظور جديد مرتبط بالأمن الدولي في ظل انتشار أمراض عابرة للحدود، كما الحال في مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز الذي تم تصنيفه ضمن مهددات السلم الدولي، لتنتقل بعدها منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف الأمراض بحسب خطورتها على الأمن الصحي العالمي.
وتعّد مبادرة "مؤشر الأمن الصحي العالمي" من أهم المبادرات في هذا الحقل، ولا سيما أنها أُسست بالاشتراك مع مجلس الأمن الدولي ومنظمة الصحة العالمية. ويرى الدكتور عبد العزيز اقزيز اختصاصي علم الوبائيات أن هذه المبادرة خلصت إلى تقييم حدّة الأمراض بحسب ستة محددات رئيسة وهي: منع الظهور، والاكتشاف والإبلاغ دوليًا، ومدى الاستجابة السريعة، وقوة النظام الصحي القائم على بنية تحتية صحية فعالة، والقدرة على الالتزام بالمعايير الدولية، وقدرة الدول على مواجهة التهديدات البيولوجية. ولكن في عام 2019، نحو 60 % من العالم لم يكن ليتمتع بقدرة وجاهزية عالية على احتواء الأمراض.
على الصعيد الدولي، بيّن الدكتور عبد العزيز اقزيز أن الأمن الصحي العالمي يشمل ثلاث ركائز تتضمن النظر في الأمراض السارية والمُعدية والتي تعدّ عابرة للحدود، والنظر في مآلات استخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية، والتركيز على الصراعات الإقليمية وأثرها في الوضع الصحي.
تقرؤون في البحث:
- الأطر النظرية للأمن الصحي في العلاقات الدولية
- النظريات المفسرة للصراع والتعاون حول اكتشاف لقاح كوفيد 19
- رؤية النظرية الواقعية
- رؤية النظرية الليبرالية
- ترسانة اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في العالم:
- الــدوافــع و الاعـــتبارات لإيجـــاد اللقـــاح:
- الدوافع السياسية
- المنافع الاقتصادية
- كوفاكس تجاوز النزعة الفردية من أجل تفعيل مبدأ التضامن الدولي
- انعكاس الفردانية
- العمل التضامني استمرار للتعاون الدولي