في الربع الأخير من العام 2019 قامت المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة EFQM بطرح نموذجها للتميز لعام 2020، والذي قامت فيه بعمل تغيير جذري عما كان عليه آخر تعديل لنموذج التميز السابق في عام 2013. اعتادت هذه المؤسسة على تعديل وتطوير نموذجها كل فترة من خلال قيامها بعدد من الأبحاث وورش العمل مع العديد من المعنيين من جهات حكومية وغير حكومية وشركات قطاع خاص وخبراء في مجالات متنوعة.
لقد استطاعت المؤسسة الأوروبية التي تعنى بالتميز بتسويق نموذجها في العالم الغربي والعربي على أوسع نطاق وذلك بعد أن ثبت نجاح تلك المعايير التي تعتمد عليها في قياس وتطبيق معايير للتميز في العديد من المؤسسات في مختلف القطاعات. والجدير بالذكر أن الهدف الرئيسي لهذا النموذج هو أنه يقدم إطار عمل حيوي لمساعدة الأفراد والمؤسسات على مواجهة وإدارة التغييرات والتحولات والإضطرابات التي نواجهها باستمرار، علاوة على أنه يعتبر أجندة لإدارة أي مؤسسة تطمح في تحقيق مستقبل مستدام وطويل الأمد.
ومن خلال تأمل السيرة النبوية الشريفة للرسول الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، نجد أن عمله ومنهجه الكريم مليئ بالتميز والابتكار والإبداع والفكر الاستراتيجي المتقد في كل مواقفه سواء قبل الدعوة أو بعدها. لقد ظل رسولنا الكريم قائما أكثر من عشرين عام، يحمل على عاتقه عبء أعظم أمانة في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة، وعبء الكفاح والجهاد في شتى الميادين.
لقد حقق بفضل دعوته الوحدة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، والسعادة البشرية في الدنيا قبل سعادتها بإذنه تعالى في الآخرة. لقد غير بدعوته أسمى غاية وأعظم رؤية بأن غير وجه الأرض، وغير مجرى الأيام، وغير مجرى التاريخ وغير العقليات.
لقد قامت دعوته بتخليص الحياة البشرية من الأوهام والخرافات والرق والعبودية والفساد والظلم والكفر والضلال والظلام. لقد خلص المجتمع الإنساني من التفكك والانهيار، ومن الفوارق بين الطبقات وكذلك الحكم المستبد. لقد قام الرسول بدعوته ببناء العالم على أسس من قيم ومبادئ مستدامة من العفة والإيجابية والتحرية والتجدد وتنمية الحياة والمعرفة واليقين، وإعطاء كل ذي حق حقه في الحياة.
وبفضل كل هذه الأسس ومعايير التميز التي تبناها وطبقها رسولنا الكريم وصحابته رضوان الله عليهم، شاهدت الجزيرة العربية نهضة مباركة لم تشهدها سابقا، ولم يتألق تاريخها كما حدث في تلك المرحلة من حياتها.
لقد امتد تأثير تلك الغايات الملهمة والرؤية الطموحة والإستراتيجية الفعالة والقيم المستدامة ومعايير التميز قرونا طويلة وصل فيها المسلمون الفاتحون بعد الرسول وصحابته كل زمان ومكان.
إن معايير نموذج EFQM لعام 2020 والذي يتم اعتماده الآن من أفراد ومؤسسات ودول عديدة حول العالم، كان قد طبقها الرسول الكريم قبل أكثر من 1400 عام. ولا نهدف بتاتا من طرح هذا الأمر إلى الطعن في المنجزات العلمية الحديثة أو التقليل من شأنها، بل هدفنا أن ندعو كل صاحب فكر واعي حر أن يتأمل السيرة النبوية بعمق، وأن ينقب في هذا الإرث الثمين، وأن يستخرج كنوزه ويسقطه على تخصصه العلمي والمهني في أي مجال كان، محتسبا الفوائد المستخلصة من بحثه وتنقيبه لوجه الله تعالى، وهو واثق كل الثقة أن في هذه السيرة والإرث كل خير عظيم للأمة جمعاء.