استيقظ العالم أمسٍ الجمعة على فاجعةٍ جديدة كان ضحيتها مسجدين في مدينة «كرايست تشيرش» بجزيرة ساوث آيلاند في نيوزيلندا؛ حين أفرغ الشاب المسيحي ذو التوجه اليميني المتطرف برنتوت تارانت رصاص أسلحته في صدور أكثر من 100 مصلٍ كانوا يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النورين بالمدينة النيوزيلندية، خلفت المأساة التي قام بها تارنت بحقّ مسلمي نيوزيلندا تعاطفًا كبيرا من المسلمين حول العالم، في وقتٍ اكتفت فيه قادة الدول الغربية بالتنديد دون توصيفٍ دقيقٍ للحادثة أو وسمها بالإسلاموفوبيا التي تجتاج أوروبا وأمريكا، وما تلقاه من ترويج في بعض وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية. فيما يلي من أسطر سنعيد إلى ذهنك أبرز الهجمات التي تعرّض لها المسلمون في السنوات الأخيرة.
«مجزرة المسجدين» .. الجريمة الفظيعة التي ربطها المنفذ بالتاريخ
بعد أن توضؤوا وتعطّروا، خرج مسلمو «كرايست تشيرش» النيوزيلندية باكرًا لأداء صلاة الجمعة بمسجد النورين بالمدينة، ولم يكن في ذهن أي منهم أنّ الساعات القادمة ستحمل حادثُا سيغيّر لا محالة في الحياة بنيوزيلندا، كان هذا المشهد البريء في القصة على الجانب الآخر، استيقظ الشاب الأسترالي برنتوت تارانت ذو التوجه اليميني المتطرف صباح الجمعة، ليرتدي زيّه العسكري ويثبت الكاميرا على رأسه لكي توثق جريمته، كما قام بتعبئة أسلحته النارية التي سهر الليالي الماضية على كتابة عبارات عنصرية في أطرافها، واستقلّ سيارته المعبأة بالأسلحة تلك إلى وجهةٍ رسمها جيدًا في ذهنه، في الطريق إلى هدفه وكي لايملّ الشاب الأسترالي من مناظر الحياة البهية التي رسمتها شوارع مدينة كرايست تشيرش المؤدية إلى مسجد النورين، قام تارانت بتشغيل راديو السيارة على أغانٍ صربية كانت أغنية «أزيلوا المسلمين أزيلوا » التي زادت من شحنته العنصرية.
نزل «برنتوت تارانت» من سيارته ودخل مسجد النورين، ليقدّم عرضًا استثنائيًّا ومباشرًا لمتابعيه على موقع «تويتر» -مدته 17 دقيقة- وهو يفتح النار على المصلين الذين فرقتهم الطلقات بين أروقة المسجد، حاصدًا أرواح نحو 50 مُصليًا ممن طالته رصاصات بندقيته التي كُتبت عليها عبارات «أهلًا بكم في الجحيم، هنا معركة فيينا التي خسرتها الدولة العثمانية وكانت نهاية توسعها في أوروبا، هنا توقف تقدم الأندلسيين في أوروبا».
فتحت هذه المجزرة ملف معاداة الإسلام في الغرب، بعد أن ظهر أنّ الشاب الأسترالي ارتكب جريمته البشعة تلك عن سابق إصرارٍ وترصد، من خلال إعلان تفاصيل وموعد جريمته على حسابه الفيسبوك، وهو الإعلان الذي جاء في منشورٍ مطوّلٍ و حمل جملةً من الأفكار المعادية للإسلام والمسلمين، خصوصًا بعد أن أبدى القاتل إعجابًا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تبنى سياسة عنصرية إزاء المسلمين منذ توليه الرئاسة في أمريكا، والتي ساهمت بدورها في رفع نسب الكراهية ضد المسلمين في أمريكا إلى نسبة 78%، ويرجع الأخصائيون تنامي حالة العداء ضدّ المسلمين في الغرب إلى تصاعد الخطاب التحريضي الذي يُروّج له مواقع التواصل الاجتماعي، والتصريحات العنصرية التي يطلقها مسؤولون وسياسيون، إضافةَ إلى إنكار بعض الدول لجرائم الكراهية العنصرية، وصعود اليمين المتطرف في دول عديدة ومشاركته في الحكم.
«مجزرة مسجد كيبيك».. مسلمون ضحية الإرهاب السياسي.
بينما كان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في صراعٍ حادٍ مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول المهاجرين من خلال إعلان ترودو ترحيب بلاده بكل الفارين من الاضطهاد والإرهاب والحرب بغض النظر عن عقيدتهم، كانت مقاطعة "كيبك" على موعدٍ مع هجومٍ إرهابيٍ استهدف مصلين فى مسجد المقاطعة، وهو ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص، وفي تفاصيل الهجوم قام الطالب الكندي ذو الأصول الفرنسية ألكسندر بيسونيت يوم 29 من يناير(كانون الأوّل) 2017 بإطلاق النار على جموع المصلين الذين خرجوا من المسجد بعد انتهاء صلاة العشاء، فأودى بحياة ستة أشخاص، فيما جرح 19 آخرين.
وكعادة أي هجومٍ يستهدف المسلمين في الغرب، وعلى الرغم من نعت رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الهجوم بالإرهابي خرجت شخصياتٌ ووسائل إعلام تربط بين الهجوم والحالة النفسية للمهاجم، ناقلةً أراء زملائه وجيرانه الذين أجمعوا على العزلة التي كان يبديها مرتكب المجزرة، غير أنّ فرانسوا ديشان، المسؤول بمنظمة «مرحبا باللاجئين» فأكّد أنّ المشتبه به كان معروفًا بآرائه اليمنية المتطرفة، وكتب ديشان على صفحة المنظمة على فيسبوك: «لقد كان بيسونيت لسوء الحظ، معروفا لكثير من النشطاء، باتخاذه مواقف قومية مؤيدة للسياسة الفرنسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، ومواقف مناهضة للنساء في جامعة لافال وعلى مواقع التواصل الاجتماعي».
وذكرت هيئة الإحصاء الكندية أنّ جرائم الكراهية ضد المسلمين في كندا نمت بنسبة 253 % في الفترة من 2012 إلى 2015. وأضافت الهيئة في تقريرها:« ارتفعت جرائم الكراهية العامة التي أبلغت عنها الشرطة بنسبة 50% في عام 2017 لتصل إلى مستوى مرعبٍ خصوصًا بعد حادثة الهجوم على مسجد كيبيك».
حادثة دهس المصلين بلندن
في 19 من يناير (كانون الثاني) 2017، تعرضت جموع المصلين التي كانت تهمّ بالخروج من مسجد فينسبري بارك شمال لندن لعملية صدم بسيارة «فان» التي استأجرها دارين أوزبورن خصيصًا لتنفيذ عمليته الإرهابية، أسفر الهجوم عن مقتل ضحية وإصابة 8 آخرين، أثناء شروعه في عملية الصدم صرخ المهاجم حسب شهود عيانٍ بأنه يريد قتل المسلمين جميعًا، قبل أن توقفه الشرطة البريطانية، وفي تعليقه عن الهجوم؛ قال مجلس مسلمي بريطانيا إنّ سيارة دهست المصلين لدى خروجهم من مسجد شمال لندن، وأضاف: «أبلغنا بأنّ سيارة فان دهست مصلين وهم يغادرون مسجد فينسبري بارك»، وتابع: «يبدو أنّ رجلًا في سيارة فان دهس عمدًا مجموعة من المصلين كانت إلى جوار شخص مريض».
وفور وقوع الهجوم، أعربت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن حزنها الشديد وتضامنها التام مع المتضررين في الحادث المشين، وقالت ماي في بيان: «هذا حادث مروع... كل مشاعري مع أولئك الذي أصيبوا وأحبائهم وهيئات الطوارئ في الموقع». دون وصف الحادث بالإرهابي، داعيةً في الوقت ذاته إلى تعزيز الأمن حول المساجد في بريطانيا.
«مجزرة النرويج».. حين أراد القاتل طرد المسلمين من النرويج
في 22 من يوليو (تموز) 2011، أقدم المتطرف اليميني أندرس بيرينغ بريفيك صاحب 32 سنة حينها، على تنفيذ مجزرتين في النرويج؛ ففي الأولى، قتل سبعة أشخاص وأصيب تسعة آخرون في تفجير سيارة مفخخة في قلب حي الوزارات بأوسلو قرب مقر رئيس الوزراء، ثم توجه المنفذ -وهو مواطن مسيحي أصولي- بسيارته إلى مخيم صيفي في جزيرة أوتويا القريبة ليحصد بسلاح ناري أرواح عشرات الشباب من حزب العمال الحاكم شمال غرب أوسلو، وحتى وإن لم يكن بين الضحايا مسلمين، فقد كان المسلمون المستهدفين من الهجوم، إذ بررّ بريفيك جريمته بالقول إنه «فظيع لكنه ضروري» ويهدف إلى حماية النرويج من «الاجتياح الإسلامي»، وقال إنه استهدف مخيم الشباب لأنهم يؤيدون الفلسطينيين، وكعادة أي يميني متطرفٍ مقدمٍ على جريمةٍ ضدّ المسلمين نشر بريفيك مذكرة مكونة من نحو 1500 صفحة يشرح فيها ما يؤمن به بشأن كراهية المسلمين.
«اطردوا المسلمين من الجزيرة» حين حرّض اليمين الفرنسيين على طرد المسلمين
عاشت مدينة أجاكسيو عاصمة جزيرة كورسيكا سنة 2015، مظاهرات عنصرية معادية للعرب والمسلمين، رفعت فيها شعارات «هذا وطننا»، «أيها المسلمون اخرجوا من هنا»، وتطورت التظاهرات التي قادها اليمين المتطرف إلى تخريب قاعة للصلاة للمسلمين في حي «حدائق الإمبراطور» الشعبي بمدينة أجاكسيو وتمزيق وإحراق عدد من المصاحف وكتابة عبارات معادية للعرب والمسلمين.
ويأتي تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا على خلفية الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا والتي دفعت اليمين المتطرف إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الجالية الفرنسية المسلمة، معتبرةً أنها توفر بيئة حاضنة لهذا الفكر المتطرف الذي يشجع الاعتداءات الإرهابية على حسب قولها، وهي المبررات التي ساقها أنصار اليمين المتطرف لتصعيد اعتداءاتهم على المسلمين في فرنسا.
المصادر:
- مظاهرات كورسيكا ضد المسلمين.. القصة الكاملة
- اليمين المتطرف في أوروبا يزيد وتيرة جرائم الكراهية ضد المسلمين
- هجوم أوسلو
- مذبحة مسجدي نيوزيلندا.. صدمة شعبية وتأهب أمني
- من هو بريفيك «سفاح النرويج» الذي استوحى منه «مختل ميونيخ» جريمته في ذكراها الخامسة؟
- أبرز الاعتداءات على المساجد في الغرب منذ 2010
- Islamophobia and hate crimes continue to rise in Canada
- Hate crimes against Muslims in Canada increase 253% over four years
- Hate Crimes Against American Muslims Most Since Post-9/11 Era
- 49 killed in mass shooting at two mosques in Christchurch, New Zealand