التاريخ الإسلامي زاخر بعطاءاته العلمية والأدبية والفنية، ففي مختلف مراحل الدول والخلافات كان الفن الإسلامي رائدا ومبهرا لحد كبير، فبعد أن كانت الأندلس أرضا يحكمها قانون العصابات والإغارات المتكررة باتت لوحة فنية يباهي بها العالم ليومنا هذا بفضل الحضارة الإسلامية التي خرجت بالدولة من غياهب الضياع والتشتت لنور التحضر والتمدن والازدهار.
أبرز الفنون التي أبدعتها الحقبة الإسلامية كانت فنون النحت والزخرفة والهندسة والشعر والأدب والموسيقى، تفردت في الإبداع، ذلك أن الفترة لم تبدع في المعهود منه في الفنون إنما عرفت اكتشافات غير مسبوقة في مجال الموسيقى والهندسة والزخرفة، وباتت أيقونة البداية التي لازال العالم يقتفي أثرها لغاية يومنا هذا.
الفن الإسلامي لم يكن مجرد صورة جمالية تعبر عن ثقافة الإسلام بل كان له أبعاد روحية وتعبدية جعل من اعتناق الفن تعبدا فرديا وجماعيا، فالإحسان والإتقان وحب العمل والنماء والقيم العميقة المغروسة في أصل كل عمل فني زادت من حجم وجوده وانتشاره، ما جعل الفن الإسلامي ملموسا في مختلف مجالات حياة الفرد المسلم، في زخرف بيته، في فصاحته ولباسه وحتى نمط معيشته ككل.
لكن ما الذي أطفئ جذوة هذا الإبداع والثراء في التوهج في هذا العصر؟
إن الفن الإسلامي خرج من عصر التقليد إلى التميز بشخصية واضحة مع أواسط القرن الثاني عشر الميلادي عصر الثلاثة مراكز الكبرى وهي الخلافة العباسية في بغداد والشرق، والخلافة الفاطمية في الوسط والتي تحكم من القاهرة وتمتد من ليبيا إلى الشام، والخلافة الأموية في الغرب حتى الأندلس، فقد ظهرت خلال هذه الفترة بعض العناصر الزخرفية في الفن الإسلامي كالمقرنصات والنقش البارز بالعناصر النباتية المحورة وغيرها .
في كتابها (أثر الفن الإسلامي على التصوير في عصر النهضة) تذكر الكاتبة إيناس حسني أنه إذا كان "جون بادو" صاحب كتاب "عبقرية الفن الإسلامي" قد أنصف دور العرب المسلمين في الثقافة الإسلامية والكاتب "د. ديماند" في كتابه "الفنون الإسلامية" يقول: "إن الفن الإسلامي فن عظيم ومهم بين مختلف أنواع الفنون".
وكتب في موضع آخر أن ملوك أوروبا ورجال الدين فيها ملأوا خزائن قصورهم وكنائسهم بروائع الفن الإسلامي، وبعد أن دخل المسلمون جزيرة صقلية وفي مدينة بالرمو حوالي العام 824، قام الحاكم «روجر الأول» باستعمال اللغة العربية على رداء تتويج «روجر الثاني» هذا الرداء المحفوظ في متحف فيينا.
كان الفن الإسلامي مصدر إلهاما وبداية لولادة فنون عصرية أروبية ذات أثر واسع، الأمر الذي يعيد تساؤلنا أين هو الفن الإسلامي في عصرنا؟، للإجابة عن السؤال نحتاج أن نفكك حقيقة ما وصل إليه العالم الإسلامي من حال، فمن المعروف أن الفن الإسلامي كان يكتسب هويته من خلال تنوعه الجغرافي وأبعاده المتنوعة المترامية الأطراف، إذ كان الأثر الفارسي والتركي والعربي والمغربي واضحا في معالم الفن ما شكل ذلك مزيجا بديعا، استلهم حضوره من عمق تقدير وتقديس الإسلام للفن والجمال، لكن الأوضاع والتاريخ عرف العديد من التغيرات فتحولت الدولة الاسلامية لدويلات ومن شمولية الإسلام لضيق القومية العربية، وتشتت الدول بين حدود مرسومة من طرف الكفة المسيطرة.
إن انقلاب موازين القوى وهيمنة القوى الغربية على الدول الإسلامية جعل من هاته الأخيرة عبارة عن مستعمرات يمارس فيها الغرب أقسى أنواع التعذيب والتشريد والاستنزاف، فالاستعمارات الغربية لم تكن لها غاية التطوير والبناء كما كانت تفعل الدولة الإسلامية في توسعاتها أين كانت تحفظ للبلاد والعباد هويتهم وتسعى إلى تمدين أهلها وبناء البلاد بسواعد أبنائها والاستفادة مما تقدمه هاته الثقافة الجديدة للعالم الإسلامي، ولأن عصر الفتوحات ولى ليحل محله الاستعمار المادي الذي تتمثل أقصى طموحاته في استنزاف الثروات ومحو كل مقومات وهوية المحتل من أجل إذلاله، هذه المساعي كان لها تأثير واضح امتد لغاية ما بعد الاستعمار.
فبعد استقلال الدول الإسلامية بتضاريسها وحدودها الجديدة، بات المسعى الأول للشعوب هو محاولتها لاسترجاع هويتها، والتمسك بها وعدم الانقياد خلف المستعمر، فصار الاهتمام بالفن الإسلامي بشكله الأول ضربًا من الترف، وتشكل للفن هوية جديدة وقومية منحصرة، فظهر ما يسمى بالفن القومي، وظهر ذلك في مختلف القصائد والأشعار القومية، كذلك في الرسم والموسيقى.
بمرور السنوات وانقضاء فترة استرجاع الأنفاس، وجدت الشعوب العربية نفسها أمام أنظمة حكم فاسدة استعبدت مواطنيها، وانتقلت بالفرد المسلم من تطلعات فنية لتطلعات معيشية بحتة، وفي ظل امتداد التبعية للمستعمر ظهر الفن التابع، ففي ظل ما يراه الفرد المسلم من عيش رغيد يتنعم فيه الفرد الغربي وما يقدمه من فن وجمال يعبر عن ثقافته المدنية الحديثة، الأمر الذي طمس أي اعتزاز دفين بالماضي الفني للفرد المسلم وسعيه الحثيث لتقليد المسار الفني في الغرب، ففقد بذلك انفراده الفني وهويته الجمالية، فاختلط الحرف العربي بالموسيقى الغربية فخلق نشازا واضها، وتخلى الأدب العربي عن قيمه الصلبة منجرفا خلف الحداثة بما تحمله من مادية وتقتله من روحية وميتافيزيقية.
في رحلة مع الزمن استطعنا أن نستكشف حجم التباين والتباعد بين فترتين مختلفتين، فترة ازدهار وفترة تقهقر وتراجع، لكن بالرغم من كل ذلك تبقى هناك مساعي حثيثة للعودة بالفن الإسلامي على أصالته وانفراده ممزوجا بما يتناغم والعصر، يحتاج الأمر فقط تكاتف جهود وثقة عميقة في الجذور الأولى للفن الإسلامي،نستعرض لكم في سياق المبادرات والمجموعات الفنية المرسخة للبعد الثافي الفني الإسلامي :
منصة الخطاط https://www.alkhattat.net/
قناة وموقع الرسامة Esra Alhamal
https://www.youtube.com/channel/UCnsHn_nU31khhb0j0-hBkcA
و هذا موقع يقدم دروسا للتذهيب الاسلامي
https://www.islamicillumination.com/
مؤتمر وجائزة البردة، بها محتوى غني
وللتعرف أكثر والغوص في الفنون الإسلامية نعرض لكم هذا الفيديو:
Islamic Art: Mirror of the Invisible World