صلواتٌ خاشعةٌ..

الخشوع لب الصلاة ومن أهم مقاصدها العظيمة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[1]
ويتحقق هذا المقصد في رمضان بشكل أكبر وبمعينات أكبر من خلال التنبه للآتي:
أولا: في ليل رمضان صلاة وقيام، والليل موطن السكون والخلوة والتأمل، وكل هذه توفر إمكانا أكبر لخشوع أكثر كمالا وجمالا وعمقا.
ثانيا: في نهار رمضان صلاة وصيام حيث يتخفف الجسد مما يثقله ويصرفه عن كمال الخشوع، ففي النفس إقبال وفي الجسد انكسار وفي القلب راحة،  توجه الملكات للاستغراق في خشوع أفضل وأتم.
ثالثا: رمضان شهر القرآن وطعم القرآن المختلف في الصلاة يخلق طعما مختلفا للخشوع فيها، فعلى قدر التدبر في القرآن في الصلاة سيكون قدر الخشوع المتحصل منها.
رابعا: ثمة هدية عظيمة من رب العزة والجلال أن تزاح الشياطين من طريق التعبد والصلاة والخشوع في رمضان، لتفسح المجال أمام الملائكة بأن ينفردوا بالتأثير على ملكات ونوازع الخير في النفس وسد منافذ الوسوسة.
خامسا: إن طمع المسلم أن يكون ممن يشمله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه'' [2] سيكون حافزا عظيما نحو توجيه البال وحصر الهم وتكثيف الانشغال بالتوجه والإنابة والخشوع في هذا القيام، ليكون القيام أكمل والمغفرة أتم وأعظم.
سادسا: إن الخشوع لذة من لذات الصلاة ولذة من لذات النفس، حيث تلقي النفس أثقالها وهمومها وغمومها بين يدي ربها، فتكون الصلاة حينئذ محط راحة لا أداء واجب فحسب.
سابعا: قد نسقط الفريضة بأداء صلاة من حركات رتيبة، لا إقبال فيها ولا توجه، لكننا لن نقطف ثمراتها بدون وجود خشوع  يحقق مقاصدها وآثارها، وهذا خطأ يقع فيه بعض العابدين فيغلبون الكم على النوع، ويحرصون على كثرة من الركعات دون أن يحرصوا على الخشوع فيها وتحقيق أهدافها ومقاصدها.
لنقرأ سوية قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((إنَّ الرجل لينصرف وما كُتِب له إلاَّ عُشر صلاته، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبُعها، ثُلُثها، نِصفها)).

فلنجعل رمضان هذا شهر الصلوات الخاشعة ما استطعنا الى ذلك سبيلا، وليل رمضان ليس كأي ليل في بقية الشهور، ولعل عطر القرآن فيه قد فاح حتى ملأ الأجواء والقلوب والنفوس والأرواح من طيبه وعبقه، فصارت الأنفاس فيه غير الأنفاس والنجوم غير النجوم والسواد غير السواد.

ليلٌ فسيح..

إذن، مغبون من حرم نفسه من استنشاق عطر ليل رمضان الفسيح وعبيره، لينغمس في استنشاق روائح الطعام والشراب الطيب الذي لا يثقل الجسد فحسب، بل يحجب القلب والروح عن الالتحام بليل مبارك، يدعوك لأن تنخلع من عالمك وتتجه لأقرب سجادة تسكب عليها عبرات الندم وآهات الاستغفار وتوسلات المغفرة ونفحات القرب والأنس بالله.
إنه ليل: فسيح في لفظه، فسيح في معناه، وفي صلاته، فسيح في قرآنه، في فتوحاته، في إكرامه، وفي تجلياته، إنّه فسيح في مثوبته، في تأملاته، وفي عطائه.
ليل رمضان أصفى وأنقى من أي ليل، فاسمح له أن: يلم شتاتك، وينتشل روحك، ويذوّب جليدك، ويخرج مكامنك، ويطهر داخلك، ويسمو بوجوك، ويهوّن غربتك، ويثبت نفسك، ويسدد قولك، ويقوي ضعفك.
ليل رمضان فرصة ثمينة مهداة للعقل والقلب والنفس والروح: فرصة للخلوة، للمراجعة، لقيام خاشع، لنيل المطالب، فرصة لتدبر نافع، لقرب مؤكد، لتوبة نصوح، لحمل الزاد، إنّه فرصة أيضًا لحزن أن يزول ولتوكل أن يقوى.
من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرم قيامها فقد حرم خيرا كثيرا، فلا تضيع وقتك فيه إلا في عبادة أو صلة رحم أو علم نافع أو خدمة عاجلة لمحتاج، ومن أحسن في نهاره أحسن الله إليه في ليله، فاستقم كما أمرت في نهارك ليوفقك الله في ليلك.


[1] سورة المؤمنون، الآية 1 و2.
[2] رواه البخاري ومسلم.