لم يكن هذا بعيدًا، فـمنذ ما يقارب سنة أو أكثر بقليل قدّر الله أن أتلقى دعوة للانضمام إلى منظمة رجال الأعمال BNI- Business networking international، وقبل أن أوافق على هذا العرض المغري، بحثت في إنترنت حول هذه المنظمة، ووجدت بأنَّها قائمة على منتدى تشبيك بين رجال الأعمال الرواد في مجالات مختلفة وتحوي على ما يقارب 250.000 عضوًا عالميًا وأكثر من 9000 فرع حول العالم، لكن ليست هذه الأرقام التي جعلتني أوافق على العرض وإنما ما دفعني للموافقة علمي بأنَّ أعضاء المنظمة والمنتدى قد حصّلوا أرباحا تقارب 15 مليار دولار، من الصفقات، التعاقدات، المبيعات وغيرهم، وهذه الأرقام والمعطيات تعكس وضع السنة الأخيرة فقط والأرقام في ازدياد وارتفاع.
ما السر؟ كيف هذا؟
في أول لقاء لي، أخبرتنا مسؤولة في المنظمة بأنَّ الأعضاء يلتقون بشكل ثابت في يوم واحد كلّ أسبوع، وفي ساعات الصباح الباكر، وحقيقة لم أفهم حينها لماذا من المهم أن نلتقي أسبوعيًا؟ لكن قلت في نفسي نصبر لنرى ما هو القادم! أول ما بدأ اللقاء، مرر أحد الأعضاء -المنتسبين وليس مسؤولاً- محاضرة في مجال التسويق وبعدها مباشرة محاضرة أخرى في مجال الإدارة المالية السليمة، لكن كل هذا لم يجبني على سؤالي: هل مجرد جلوسي هنا واستماعي لهذه المحاضرات يجعلني أجني الملايين والأرباح الطائلة؟! لا يعقل! لا بد وأنَّ هنالك سرًا ما، إلى أن نادى المسؤول وقال: الآن ننتقل إلى التشبيك!
الفكرة الأساسية التي تنطلق منها هذه المنظمة هي وبكل بساطة "التشبيك"، ففي اللحظة التي تحضر فيها اللقاء تأتيك فرصة التعرف على الأعضاء بما يتيح لك إمكانية التشبيك وربط العلاقة معهم.
إذ يمكنك الالتقاء على انفراد مع من يهمك، وتحاول فحص إمكانية القيام بعمل مشترك، صفقة ما، استشارة، أو مساعدة وغير ذلك، أمّا إذا تعذر بينكما ذلك، فلا بد أنّه يعرف أصدقاء مهتمين بما طرحت عليه من أفكار ومشاريع، فيحاول كل طرف منكم أن يربط ويشبك بين الآخرين حتى تستفيد كل الأطراف، هذه الفكرة ببساطة!
أسعفتني سرعة الحفظ والبديهية حينها، ووجدتني أقرأ في داخلي بعض الآيات من القرآن الكريم وبعد دقائق قليلة قلت لهم جميعًا بأنَّ الدين الاسلامي هو أول من اقترح فكرة التشبيك، ساد الصمت في القاعة وخصوصًا أنهم جميعًا أجانب وغير مسلمين، قالوا: كيف هذا؟
شرحت لهم معنى الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير"[1]، ووضحت لهم بأنَّ الإسلام ينادي ويحث على التشبيك، بل وأيضًا يكرّم ويرفع شأن المرأة ويخبرنا بأنّها قد تستطيع حتمًا أن تؤدي دورًا مهمًا، كما أنّ من حسن تقوى الإنسان حبه الخير لغيره كما يحبه لنفسه، فعليه أن ـيبادر لينفع غيره بما لديه، ثمَّ أخبرتهم بأنّها ليست هذه الآية الوحيدة التي تدعو للتشبيك وذكرت لهم قول الله؛ " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا"[2]، وسُخريًّا هنا تأتي بمعنى التسخير أي أنّ الله تعالى قد جعلنا في درجات مختلفة لكي يُسخّر أحدنا لمنفعة الآخر.
التشبيك لا يشترط أن يكون داخل منظمة أو منتدى، بل كل لقاء تتعرف فيه على أحدهم هي فرصة للتشبيك، ولا زلت أذكر جيدًا قبل يومين عندما ركبت القطار وسمعت إحداهُنَّ تهاتف مدير شركتها بأنّهم لم ينجحوا في إدارة مشروعهم، وأنَّ الأمر بدأ يخرج عن سيطرتهم، بعد أن أنهت المكالمة توجهت إليها، عرّفت نفسي ودوري وعرضت عليها إحدى الخدمات في مجال الإدارة التي تشرف عليها شركتنا ووعدتها بالمساعدة، تبادلنا أرقام الهواتف وحددنا جلسة بحيث نتعاقد مع شركتهم مقابل مبلغ ما يقارب 100 ألف دولار وهذا كان سببه تشبيك مع امرأة في القطار! لا أعرفها مسبقًا ولا تعرفني!
على أيَّة حال، دائمًا يسألني كثير من الإخوة عن طبيعة عملي؟ فأجيب بأني أشغل أكثر من منصب، أمّا المنصب الأول؛ وظيفتي فيه التشبيك بين الصالحين في الدنيا، وحسابي البنكي في السماء عند الله سبحانه الذي لا يضيع أجر المحسنين، وأمّا المنصب الثاني؛ رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي لشركة مبادلة م. ض وحساباتي البنكية في بنوك الدنيا.
[1] سورة الحجرات، الآية 13.
[2] سورة الزخرف، الآية 32.