اسم الكتاب: قراءة في خطاب النهضة إشكالات وتساؤلات.
اسم المؤلف : د. محمد الفقيه.
دار النشر: تأصيل للدراسات والبحوث.
سنة النشر: 2010
عدد الصفحات: 143.
حاول الكاتب -وأجاد في ذلك- أن يضع يديه على الإشكالات التي تُعيق النهضة منذ أن بدأ التماس مع الغرب إثر الإحتلال الفرنسي وما قبله، وبداية التساؤل الذي صار، لماذا تأخّرنا وتقدم غيرنا؟ وما أسباب عدم نجاح جميع المشروعات التي قدَّمت للنهضة؟!
فيرى الفقيه أنَّ خطابات النهضة لا تخرج في مُجملها عن دائرتين متحركتين تتصادمان دون أدنى محاولة للتقارب والتقاطع:
- الدائرة الأولى: دائرة المحافظين أو حُماة الهوية.
- الدائرة الثانية: من يطلقون على أنفسهم المستنيرين أو المنفتحين.
حيث تدور المعارك بين الإنفتاح الكامل والإنغلاق الكامل حتّى صار خطاب النهضة عبئًا على النهضة!
فيبدأ الكاتب مستهل حديثه بالصدمة الحضارية التي حدثت للأمة الإسلامية فى أول تماس لها مع الغرب ونشوء الصراع بين الأصالة والمعاصرة؛ فكانت للبعض بمثابة دافع للنهوض بالأمة من واقعها المتردّي، والبعض الآخر أفقدته تلك الصدمة توازنه، وأخذ في تعظيم وتبجيل كل ما هو غربيٌّ؛ بل واحتقار لثقافته وموروثه!
ثم يستعرض علاقة المسلمين بالغرب الأوروبي منذ عهد النبوّة ورسالة النبي - عليه الصلاة والسلام - لهركل، ثمَّ يجيء إلى نقطة مفصلية - أراه موفّق فيها - وهي معركة "بلاط الشهداء" والتي هُزم فيها المسلمون وإستشهاد قائدهم عبد الرحمن الغافقي؛ ثم عرجَ إلى الحروب الصليبية إلى أن نصل للعصر الحالي؛ واستبان له أنَّ الحقد على الإسلام لم يتغيَّر بل زادَ وتنامى!
ويرى الكاتب أنَّ غالبية مشروعات النهضة متصلة بالغرب إمّا في التشخيص أو في الحلول، كما حدث شبه هوس بالتقدُّم، فأصبحت غايتُنا ما بينَ كيف نهرب من شبح التخلُّف؟ إلى كيف نجري وراء شبح التقدُّم؟!
ووجدَ أنَّ هناك إختزال للمشكلات في مشكلة واحدة مع توسّع في الإجابات، فنجد مَن شخَّصَ داء الأمة في الفهم الضيق للدين، وأنَّ الحل هو الإصلاح الديني؛ ومَن شخّصَ الداء في الإستبداد دون غيره؛ وقرَّرَ أنَّ مثل هذا الإختزال وجعل أدواء الأمة هى مجرّد داء واحد أمر خطير جدًّا!
حيث يجب وضع أيدينا على أمراض الأمّة دون إختزال، وأن نقوم بحلِّها بالتوازي، بحيث لا نقوم بعلاج أحد الأمراض على حساب آخر.
ثم يجيء على فقدان النظرية المُستقاة من الدين المتوافقة مع متطلّبات العصر، وأنَّ هذا الفقدان للنظرية هو سبب التغريب والتعلّق بأهداب الغرب أو الشرق؛ وأنَّهُ يجب أن نضع نصب أعيننا أنَّ أصحاب النظرايات الوافدة كالديمقراطية وغيرها لن يرضوا بأن نُؤوِلها كيفما نشاء، متى نشاء وننتقي منها ما نريد؛ وأنَّهُ إذا كنّا نؤمن بشمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة وتوافره على حلول لجميع المشكلات؛ فلابُدَّ من العودة إليه بمنهجيّة سليمة لنستخرج من هديه الرؤى والنظريات والبدائل.
ويدخل الكاتب معترك الجدل الدائر بين النهضة والهوية؛ ويُقرِّر أنَّ الإسلام جزء من الهوية وأنه أبرز مقوّمات هوية الأمة؛ فبغياب تلك الهوية معناه أنك كمسلم غير موجود، وبالتالي لا وجود للنهضة؛ كما أنَّ الهوية الإسلامية آخر حِصن يتشبّث بهِ المجتمع الذي فقد كل شئ؛ فإن تلاشت الهوية انتهى المجتمع!
ويخلُص إلى أنَّهُ إذا لم تُحل هذه الإشكالية، فلا مطمع في بقاء هوية ولا بناء نهضة!
كما وجد الفقيه أنَّ هناك تصوّرًا اشترك فيه مفكّروا مشروعات النهضة إسلاميين كانوا أو ليبراليين واعتبروه قضية القضايا وشكّل هاجسًا لهم جميعًا ألا وهو "شكل الدولة"؛ فمنهم من جعلها مقدمة مشروعه النهضوي ويقوم بالبناء على أساسها، والبعض الآخر جعلها متأخرة تكتمل بإكتمال مشروعه؛ فإمّا كانت قاعدة البناء أو ثمرة البناء؛ وقد استطرد الكاتب في الشرح وأعطى أمثلة على الخلل في جعلها قضية القضايا، وكانت من تلك الأمثلة ما حدث للإسلاميين حين كانوا في الحكم.
وأكدَّ على أنَّهُ لابُدَّ من دراسة مستوعبة لطبيعة المجتمع المسلم، وأنَّهُ ليس كل مشروعٍ يُحقق نجاحًا في مجتمع ما، معناه أنَّهُ سينجح في غيره؛ وبالعكس أنَّ مشروعًا قد فشل في مجتمعٍ ما ليس معناه أنَّهُ يحمل عيوبًا حضارية؛ وبالتالي ففشله ليس دليلًا على عدم صلاحيته في مجتمعٍ آخر؛ وعلى ذلك يجب النظر من زاوية صلاحية المشروع لهذا المجتمع بغض النظر عن فشله أو نجاحه في مجتمعٍ آخر.
كما تكلَّمَ مفكّرونا في كُلِّ شئٍ وعن كُلِّ شئٍ من الإمبريالية إلى ثورة الكمبيوتر إلى التنمية، واغفلوا شيئًا واحدًا ألا وهو طبيعة المجتمع النابعة من صميم ظروفنا وأزماننا ومشكلاتنا؛ وإن تطرّق أحدهم لطبيعة المجتمع فكانت سطحية شكلية تجميلية لم تحاول الغوص في طبيعة المجتمع، وكانت دائمًا بعيون الغرب لا بعيوننا نحن؛ كما أنَّها منبثقة عن دراسة مجتمعات أخرى!
فلابُدَّ إذن من العودة إلى التاريخ لا لأجل المتعة والثقافة العامة؛ بل إلى ما هو أجدى من ذلك، وهو دراسة كلّ تجربة وما أوصلت إليه من نتيجة حسنة أو سيئة، حتّى لو أختلف الزمان والمكان، إلا أنَّ الظروف كثيرًا ما تتشابه، والعوامل المؤثرة كثيرًا ما تؤدي إلى نتائج إن لم تكن متطابقة فستكون متقاربة نتيجة لسُنن الله المُطَّرِدة.
كما علينا جميعًا ربط الماضي بالحاضر؛ وأن يفكّر الجميع لا أن يقتصر التفكير على طبقة المثقفين الذين يرون في أنفسهم أنَّهُ بدون أفكارهم لن يتحقق شئ، فكلٌّ منّا ليس في حاجة إلى من يفكّر نيابة عنه، فلسنا في جمهورية أفلاطون التي تقصر حق التفكير على الفلاسفة دون غيرهم؛ فهذه فرعونية فكرية كما أخبر الله - سبحانه وتعالى- عن فرعون حينما قال: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ".
اقتباسات من الكتاب
- يُولع المغلوب بتقليد الغالب، والسبب في ذلك أنَّ النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها!
- قال ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّ سبب نزول قوله تعالى: " الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) "؛ أنَّ المشركون كانوا يحبون أن تنتصر فارس على الروم، لأنهم أهل أوثان لا يؤمنون بالبعث، وكان المسلمون يحبون أن ينتصر الروم لأنهم أهل كتاب مثلهم وأقرب إليهم؛ حيث كان إذا لقى المشركون المسلمون في الطرقات قالوا: انتصر أصحابنا من أهل فارس على أصحابكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لننتصرن عليكم، فنزلت تلك الآيات لتبشّر المسلمين بإنتصار الروم في المعركة القادمة.
وأجد هنا فائدة؛ وهي أنَّ الله جعل انتصار الروم على الفرس هو انتصار وبُشرى للمسلمين فقط لكونهم أقرب إليهم " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ "؛ وفي ذلك لا أعلم لماذا نجد بعض المسلمين اليوم يتمنون أن تنتصر الولايات المتحدة على إيران، متغافلين عن المنهج القرآني؟!
- ويضيف الفقيه فائدة وهي: أنَّ انتصار الروم على الفرس كان بمثابة تهيئة الجو العالمي لتقبُّل الرسالة العالمية الصحيحة " رسالة الإسلام "، ويهيء العالم لتقبل مثل تلك القضايا وأنَّ الغلبة ستكون دائمًا للدين الحق.
- قال صلى الله عليه وسلم: " فارس إنما هي نطحة أو نتحطان فيذهبها الله، أمّا الروم كلما كسر له قرن نبت له قرن آخر ". أخرجه ابن أبي شيبة.
- إشكالية الإشكاليات أن أصبحت أوروبا هي الخصم والنموذج!
- يقول القائد الإنجليزي جلوب باشا: " إن مشكلة الشرق الأوسط إنما تعود إلى القرن السابع للميلاد! ".
إذن فمشكلتهم هي الإسلام، منذ ظهور النبي عليه الصلاة والسلام.
- إنهم - أي الغرب - احتقرونا لدرجة أنهم لا يمكن أن يفكّروا معها أن يسمعوا أصواتنا التي ندافع بها عن أنفسنا!
- محاولة إقصاء الإسلام من الهوية معناه ضياع الهوية بالكلية!
- إنهم يضغطون على الإسلاميين بجميع الأساليب ليظهروهم بأنهم أعداء للحرية.
- العداء للإسلام يظهر في أطروحات العلمانيين الذين يريدون أن يقيموا نهضة على أنقاض الدين!
- أدوات الزينة أصبحت واحدة تقريبًا فما يُناسب ذوق المرأة في أقصى الشمال يُناسب الأخرى في أقصى الجنوب، بينما لو نظرنا في أدوات الزينة لدى الشعوب لوجدناها متباينة تحكمها البيئة والثقافة والدين.