من الدروس التي علمها لنا التاريخ، أنّ تحقيق أي نهضةٍ حضاريةٍ لا يكون سوى بمرافقةٍ من طبقةٍ من المصلحين، يعملون على تحويل أفكارهم إلى واقعٍ ملموسٍ يكون جوهرًا لهاته النهضة، ومن هذا المنطلق، تعددت المبادرات التي يقودها الشباب المصلح الطامح إلى نهضة أمته، ومن بين هاته المبادرات الهادفة نجد أكاديمية "فجر" التي تسعى إلى توعية الشباب بأهمية وأدوات تغيير الواقع والنهوض بسوريا التي مزّقتها الحروب، في هذا التقرير نتعرّف سويًا على مشروع "أكاديمية فجر" الذي يهتم بتأهيل نخبة الشباب السوري. 

"أكاديمية فجر" المشروع الجديد الذي يضاف إلى مشاريع نهضة الأمة

تعددت مشاريع النهضة  في العالم العربي خلال العقدين الماضيين، فلم يخل بلد عربي أو إسلامي إلّا وقد قام بين أركانه مشروعٌ للنهضة، و على الرغم من الأوضاع التي تعيشها سوريا غير أنّ ذلك الأمر لم يعرقل مسيرة الشباب  في سبيل نهضة وطنه، عبر إنشاء عدّة مشاريع تنشط داخل أو خارج سوريا.

ومن بين تلك المشاريع التي تميّزت و ذاع صيتها  بين الشباب السوري، نجد "أكاديمية فجر"، التي تركّز في نشاطاتها على تأهيل جيل من الشباب الواعي والمثقف، الذي يتبنى الفكرة عمليًا ويطبقها على أرض الواقع، رغم التحديات الكثيرة التي تواجهه في ديار الغربة. 

تعدّ فجر أكاديمية فكرية تعليمية تربوية  تساهم في تأهيل نخبة من الشباب السوري للعمل في الشأن العام بوعي، وتساعدهم على فهم الواقع وامتلاك أدوات معرفية ومهارات لصناعة التغيير وتوجيهه نحو نهضة حضارية في سوريا.

الفكرة هي إيجاد مشروع متخصص في التدريب على العمل في الشأن العام ودراسة التجارب السابقة وقراءة التاريخ والعلوم المرتبطة بسنن التغيير، والتدريب على المهارات الإدارية المساعدة، بحيث لا تكون التجربة هي المحطة الأولى للصناعة وإنما هناك مدخلات سابقة مساعدة توفر علينا الكثير من الأخطاء وتختصر علينا الطريق، وفي النهاية يبقى للتجربة أهميتها ومركزيتها.

أ. همام التون - مدير ومؤسس أكاديمية فجر 

و كان تأسيس "أكاديمية فجر" من أجل تلبية تطلعات النخبة الشبابية الطموحة في امتلاك أدوات التغيير والبناء المعروفة حديثاً والمتبعة في معظم البلدان المتطورة.

بدأت فكرة "فجر" تتبلور، وصارت أكثر وضوحاً وقابلية للتطبيق، بعد جولات استشارية طويلة استغرقت شهوراً، شارك فيها الكثير من المفكرين والمتخصصين وأصحاب التجارب والمشاريع. 

وفي حوار خاص مع موقع "عمران" أكد أ. همام التون مؤسس أكاديمية فجر أنّ فكرة التأسيس كانت وليدة تجارب وأفكار محوريّة، واستذكر ذلك قائلا: "بعد تجارب طويلة في العمل الشبابي والثقافي مع بداية الربيع العربي وخلال الثورة السورية ونشاطنا وتجربتنا التي عشناها خلال الحصار في مدينة داريا وحتى عام 2016م، وبعد خروجنا إلى الشمال السوري ومن ثم إلى اسطنبول تبلورت لدينا فكرة الأكاديمية، وكانت لهذه الفكرة ثلاث أفكار رئيسة بني على أساسها نموذج الأكاديمية." 

وعند شرح نموذج التأسيس، شرح أ. همام الأفكار الثلاث قائلا: 

1- "فكرة الكتلة الحرجة (وهي حاجة كل أمة وبلد للتفكير والنهوض إلى كتلة نوعية تمتلك أفكارًا جديدة وأدوات مكافئة تستطيع التأثير بها على الواقع)، وهي حرجة لأننا نحتاج إلى أعداد كبيرة من الشباب في أماكن التأثير بحيث ترجح الميزان لصالح التغيير نحو بناء مجتمع حضاري تسود فيه القيم الإنسانية من الحرية والعدالة والكرامة والإنسانية. 

وهذه الفكرة أشار لها الدكتور جاسم سلطان في كتابه الأول من مشروع النهضة، فكانت أحد الأفكار الرئيسة إيجاد مشروع متخصص بمنهجيات مدروسة للمساهمة في تمليك الشباب أدوات تجعلهم جزء أساسيا من المساهمين بالتغيير في تحرر ونهضة بلادهم.

2- لقد أوجد العمل في الثورة قيادات شابة ومؤثرة صنعتها التجربة، ومع أهمية التجربة والخبرة العملية في صناعة القيادات الفعالة والمؤثرة إلا أن دخول الشأن العام من دون تدريب وإعداد مسبق قد يؤدي إلى إشكالات عديدة، ويكون الواقع هو ميدان التعلم، وبالتالي تكثر الأخطاء، وأحيانا تكون أخطاء كارثية حين يكون مكان التأثير مفصليا ومهما.

فكانت الفكرة هي إيجاد مشروع متخصص في التدريب على العمل في الشأن العام ودراسة التجارب السابقة وقراءة التاريخ والعلوم المرتبطة بسنن التغيير والتدريب على المهارات الإدارية المساعدة بحيث لا تكون التجربة هي المحطة الأولى للصناعة وإنما هناك مدخلات سابقة مساعدة توفر علينا الكثير من الأخطاء وتختصر علينا الطريق وفي النهاية يبقى للتجربة أهميتها ومركزيتها.

3- أزمة القيادة نتيجة حالة التصحر الإجتماعي والسياسي في سوريا قبل الثورة، كان هناك أزمة قيادة حقيقية عشناها خلال الثورة السورية، إضافة إلى استشهاد أعداد كبيرة من القلة النادرة المؤثرة خلال الثورة، وإدراكاً منّا بأن النهضات الكبرى وحركات التغيير المؤثرة عبر التاريخ كان للقيادات الفكرية والإدارية والسياسية أدوار محورية في صناعتها وترشيدها، فكانت الفكرة أيضا العمل على إيجاد مشروع متخصص يستفيد من التجارب العالمية والعربية في هذا المجال، محاولة للمساهمة في هذه الفجوة قدر المستطاع."

البداية بخمسين طالبًا والآمال تستهدف المئات.. 

ما يميز أكاديمية "فجر" بأنّها استفادت من العديد من التجارب؛ لكنها لم تتقيد بقوالب جاهزة وأنماط مكررة؛ بل ابتدعت نسقاً يلائم حاجة الشباب السوري، ويلبي تطلعاته وطموحاته، من خلال الانخراط في الواقع لتغييره وفق السنن الاجتماعية ووفق معايير قرآنية وإنسانية سار عليها أسلافنا في زمن ما.

بعد أشهر من وضع البرنامج وآلياته، واختيار الشريحة الشبابية المناسبة، كان الاجتماع التأسيسي في شهر تموز (يوليو) من عام 2017، لتكون الانطلاقة الأولى لـ"فجر" في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من نفس العام مع خمسين طالباً جامعياً. كما أطلقت الأكاديمية برنامجها في إسطنبول شهر تموز (يوليو) من عام 2018 مع دفعة من الشباب المميزين؛ لأن هدف فجر هو بناء الشباب السوري بناءً منهجياً، واستثمار المفكرين والنخب الفكرية والعلمية أينما وجدت.

"تخريج ألف طالب".. خطة أكاديمية فجر خلال 10 سنوات

تهدف الأكاديمية إلى "صناعة كتلة نوعية ومؤثرة من الشباب الذي يمتلك الأدوات المعرفية والبناء القيمي والمهارات المؤهِّلة للدفع بعجلة التغيير، والتأسيس لنهضة مستقبلية في سوريا، عبر إعداد المناهج وتطويرها المستمر بالاستفادة من كبار المفكرين والمختصين".

وخلال العشر سنوات الأولى، تخطط الأكاديمية إلى تخريج ألف طالب سوري، إذ تعمل حالياً على التنقيب لاختيار  الشباب المتميز والطموح، وإدخالهم في المقررات التدريسية والتدريبية، حيث تنقسم هذه المقررات إلى فكرية، وفقه الواقع، وفهم الدين، والعلوم الإدارية والمهارات، إضافة إلى الجانب التربوي والعاطفي، وتم وضع أهداف لكل مجال من المجالات المذكورة، وآليات تطبيق البرنامج، وعدد الساعات والمحاضرات.

كما تخطط لافتتاح فروع لها داخل وخارج سوريا، لا سيما الأماكن التي يتواجد فيها أبناء البلد.

وفي إجابته على السؤال: ماهي القيمة المُضافة  لأكاديمية فجر؟ عدّد أ. همام التون أبرز إنجازات الأكاديمية، وقد أوضح في تصريحه ما يلي:  

" أولا، بفضل الله وبعد ورشات عمل عديدة مع عدد من المختصين وأصحاب التجارب،  وضعنا برنامج فيه شيء من التكامل، وفيه بناء منهجي يساهم في تحقيق الأهداف التي تأسست لأجلها أكاديمية فجر.

المتدرب لدينا يدرس عددا من العلوم المرتبطة والمؤثرة في العمل بالشأن العام والمؤثرة في التغيير الإجتماعي والسياسي، وهناك بناء فكري جيد متعلق بالقضايا المرتبطة بالتعامل مع الدين وفهمه، وأيضا بالأفكار والفلسفات المؤثرة والمشكلة للواقع، بالإضافة للتركيز على بناء منهجية التفكير والتفكير النقدي الفعال، وكذا الدورات الادارية والقيادية والتي تفيد الشباب المنخرط في الواقع بشكل مباشر في أي عمل اجتماعي.

وخلال التدريب مع الدفعات الأولى استطعنا إيجاد شبكة علاقات بين المتدربين لدينا فيما بينهم أولا، ومع المدربين ثانيا، وهذا سيكون مفيدا لهم في المشاريع التي يرغبون في تأسيسها أو الانخراط فيها.

وقد أكد أ. همام من استفادة الأكاديمية من عديد المشاريع وقال: "استفدنا خلال التحضير والتدريب بشكل كبير من مشروع النهضة للدكتور جاسم سلطان، ومن أكاديمية اعداد القادة للأستاذة بثينة إبراهيم والدكتور طارق سويدان، ومن كتب الدكتور عبد الكريم بكار التي تركز على منهجيات التفكير وفهم السنن، واطلعنا على عدد من التجارب التركية والعربية التي تركز على البناء الفكري والبناء القيادي للشباب."

الموقع الإلكتروني بوابة "فجر" للتطور المستمر..

في معرض ردّه على ما يُميّز أكاديمية فجر، أشار المؤسس والمدير العام أ. همام  إلى أن الفريق الذي يدير فجر فريق شبابي بامتياز، "وأيضا لما بدأنا بالفكرة أطلقنا المشروع  بحسب اطلاعي ولم يكن هناك مشروع في الداخل السوري بنفس الأهداف وبنفس فكرة البناء المنهجي المتكامل ضمن مشروع متخصص وأكاديمية متخصصة.

الآن يوجد عدد من المشاريع المشابهة لفجر والتي تتقاطع مع فجر في الأهداف بشكل كبير، وأيضا في الآليات والبرامج وإن كان لكل جهة مايميزها، لكن بالعموم فهذا مؤشر إيجابي بالنسبة لنا، لأن الهدف الذي وضعناه لن تستطيع تحقيقه مؤسسة ـو جهة واحدة، وإنما يحتاج لتعاون كبير وتنسيق، وأيضا هو مؤشر إيجابي يأتي كدلالة على زيادة الاهتمام بملف البناء الفكري والقيادي بما يحمله من بعد استراتيجي سيكون له أثره في المستقبل على سوريا بإذن الله، لأن التركيز الأكبر سابقا على المشاريع الإغاثية والطبية وغيرها مما يندرج في جهود إطفاء الحرائق وليس في البناء الاستراتيجي المدروس، أيضا هناك تنوع في المدربين  والمحاضرين وهذا جزء أساسي من البرنامج فهناك تنوع في المدارس والتجارب والأشخاص، وهذا يجعل المتدرب أكثر انفتاحا واستعدادًا لاحقا للتعامل والقراءة في اتجاهات متعددة والاستماع لرؤى متباينة."  

علاوة على ما ذكره أ. همام التون لموقع عمران، فإنّ الأكاديمية تعمل على تطوير مناهجها التدريسية الخاصة باستمرار، بما يلائم بيئة العمل ويساهم في تحقيق أهدافها مع الفئة المستهدفة، وذلك من خلال استشارة المختصين وأصحاب الفكر والتجارب، لتكون مشروعاً رائداً في المجال الفكري والتربوي، وتعمل كذلك على تبادل الخبرات والاستشارات مع المشاريع المشابهة في العالم الإسلامي، مع تأسيس شبكة واسعة من العلاقات بين الطلاب والخبراء والمختصين في كافة المجالات الحيوية.

بعد سنةٍ ونصف من انطلاقتها الفعلية، وبعد وصولها إلى مشارف تخريج أولى دفعاتها، لا تزال الأكاديمية مستمرة برفد المجتمع بالمزيد من الشباب المؤثر والمساهم في بناء وطنه وأمته، وتطمح أن تكون تجربتها رائدةً وملهِمةً للمؤسسات والمشاريع الأخرى.

وللوصول إلى أكبر شريحة ممكنة، فتحت "فجر" نافذتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتعتزم إطلاق موقعها الإلكتروني قريباً للتواصل مع العالم عبر الانترنت وتنقل تجربتها للمجتمعات كافة.

للمزيد من  معلومات التواصل مع أكاديمية فجر يُمكنكم زيارة صفحة المشروع