ترتكز المنافسة بين أغلب الدول على مؤشرات عدة من أجل تحقيق هدف التفوق والتميز وكذلك صعود قمة الهرم التنموي والتطويري للبلاد، ومن ضمن أهم هذه المؤشرات هو مؤشر التعليم، هذا الأخير الذي يعد اللبنة الأولى والحجر الأساس لمختلف ميادين التنمية، ذلك أنّ تفوق الدول في مؤشرات عدة متوقف على مدى فاعلية وتقدم مؤشر التعليم بها، والجميع يدرك مدى نجاح كثير من الدول التي استثمرت استثمارا جيدا في قطاع التعليم، وكيف أنّ سياستها الناجحة في هذا الميدان كانت سببا في نجاح عديد من المجالات والميادين الأخرى، فالتعليم هو أحد أهم النوافذ المشرعة لمجالات الإبداع والفكر والاستكشاف، وبذلك يكون سببا رئيسا في تطوير وتنمية الدول.
في الوقت الذي عانت كثير من الدول من جحيم الأمية والتخلف، كانت الدولة الإسلامية تعد قبلة مزهرة للتعليم، فقد عرفت اهتماما بالعلم والتعليم وأعلت من شأن العلماء وأعطتهم مكانة عالية، وتستقطب الطلاب من مختلف القارات، بل وأفرزت منهاجا بارعا في الدقة والتطوير صدر للعالم أجمع وأسهم في بناء قواعد هامة في مسار التعليم والاستكشاف والتطوير، ولازال الأثر الإسلامي واضحا لغاية يومنا، هذا لما خلفته المنظومة التعليمية من منتجات علمية هامة وبارزة.
هذا الأمر يجعلنا نقف أمام استفهام وتساؤل عن منازل الدول الإسلامية في مجال التعليم، أين وصلت؟ وما هو ترتيب أفضل خمسة أنظمة فيها؟ لنتعرف عليها وعلى سر احتفاظها بمراتب التفوق.
يستمد هذا التصنيف الذي سنتطرق إليه ترتيبَ الدول من حيث جودة التعليم لسنة 2019 من خلال الاعتماد على مسح عالمي قائم على التصورات، ويرتب البلدان استنادًا إلى درجات.
جودة التعليم في ماليزيا الأولى اسلاميًا..
تعتبر ماليزيا أول دولة إسلامية تتصدر مشهد التعليم في العالم خلال سنة 2018/2019، هذا البلد الذي استقل عام 1957م عن الاحتلال البريطاني ليقرر منظومة سيره الخاصة مفتتحا بمجال التعليم، حيث أصبح جزءً لا يتجزأ من السياسة التنموية التي تنتهجها الحكومة، فقد شهد قطاع التعليم تغيرات عدة ساهمت في تطويره بشكل مستمر ودائم عبر تلك السنوات.
ومن ضمن الخطوات الأولى التي سعت لها المنظومة هي توحيد جميع فئات المجتمع من خلال نظام تعليمي موحد بما فيه من منهج وطني، والتأكيد على استخدام اللغة القومية باعتبارها أداة التدريس والاتصال، وشهدت تلك الفترة تزايدًا كبيرًا في معدلات الالتحاق في مختلف المراحل التعليمية.
ومن أجل إحداث الجودة في العملية التعليمية قامت الحكومة الماليزية بعديد من الإجراءات:
- إجراء إصلاحات في المناهج، مع العمل على زيادة استخدام تكنولوجيا التعليم كما اتخذت إجراءات عديده من أجل إحداث الفعالية والكفاءة في النظام الإداري للتعليم.
- الاهتمام بالعملية التعليمية داخل الصف الدراسي، والجوانب الإدارية المختلفة في النظام التعليمي.
- الاهتمام بالمعلم.
- مراجعة المقررات وتطويرها.
- الاهتمام بالمتعلمين وتوفير الأجواء اللازمة والمساعدة.
ويتوقع إجراء المزيد من الإصلاحات وعمليات التطوير في نظام التعليم والتدريب في ماليزيا، وذلك لتحقيق الأهداف المسطرة ومن أهمها ضمان الجودة في التعليم والتدريب لكل المواطنين الماليزيين، وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لجعل ماليزيا دولة متقدمة بحلول عام 2020م.
الإمارات ورؤية 2021.. التعليم الذكي.
أولت دولة الإمارات اهتماما كبيرا بالتعليم، حيث كانت لديها خطط واضحة ومساع حثيثة لتحقيقها، فقد خصصت الدولة بذلك ميزانية ضخمة في 2018م بما يساوي نحو 10.4 مليار درهم، بنسبة 17.1% من إجمالي الميزانية للتعليم. في حين بلغت تقديرات تكاليف برامج التعليم العام 6.6 مليار درهم بنسبة 10.9% من إجمالي الميزانية العامة، وبلغت تقديرات التعليم العالي والجامعي 3.72 مليار درهم بنسبة 6.2% من إجمالي الميزانية.
في سبيل تطوير المنظومة، أدرجت رؤية 2021 التعليمية، والتي تهدف لتحقيق تحول كامل في أنظمة التعليم، التحول من النظام التقليدي للنظام الحديث المزود بأحدث التقنيات، بحيث تكون كل المناهج والمشاريع والأبحاث عبر هذه الأنظمة الذكية.
هذا وتسعى الإمارات إلى تعزيز حضورها العالمي من خلال وضع الطلبة ضمن أفضل طلبة العالم في اختبارات تقييم المعرفة والمهارات في القراءة والرياضيات والعلوم، إضافة إلى رفع نسبة التخرج من المرحلة الثانوية بما يتناسب مع المعدلات العالمية. وتهدف الأجندة أن تكون جميع المدارس متميزة بقيادات ومعلمين جميعهم مرخصون وفقاً للمعايير الدولية وأن يكون الطلبة فيها متقنين للغة العربية.
تأتي الإمارات في مقدمة الدول في المنطقة التي طوعت التكنولوجيا التعليمية، من خلال برامج "التعليم الذكي"، حيث جهزت عددا كبيرا من المدارس الحكومية، بالبنية التحتية الداعمة للتكنولوجيا، مثل الألواح الذكية ومختبرات الروبوتات، كما أنه وفي سابقة من نوعها تتعاقد وزارة التربية والتعليم الإماراتية مع شركة "مايكروسوفت" لتدريب المعلمين على استخدام التقنيات الذكية، بدء من مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر.
ووفقا لتقرير "مؤسسة بيرسون الدولية" المختصة بخدمات التعليم، تعتبر الإمارات من الدول الأعلى عالميا من حيث حجم الإنفاق على تكنولوجيا التعليم.
وحاز برنامج "التعليم الذكي" الذي تتبناه الدولة على المرتبة 4 عالميا في مؤشر استخدام الإنترنت في التعليم وفقا لتقرير التنافسية العالمي الأخير.
كذلك صنف البرنامج كأفضل الممارسات للشراكة بين القطاع الحكومي والخاص في مجال التعليم، وهذا وفقا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس".
قطر.. التعليم وسيلة لتنمية اقتصاد المعرفة
استجابة لإرادة الدولة في التحضير لمرحلة ما بعد النفط أجرت الكثير من الإصلاحات الكبرى، حيث شهدت سياسة التعليم في دولة قطر إنشاء بنية أكاديمية وصناعية ملائمة لتنمية اقتصاد المعرفة؛ ولهذا باتت قطر تتوفر على بنى تعليمية معاصرة وقادرة على المنافسة على المستوى الدولي، ويأتي هذا بمثابة وسيلة لضمان إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والبشري، وهو ما تم تضمينه في مختلف وثائق البلاد الاستراتيجية.
وقد بذلت الدولة القطرية العديد من الإصلاحات الحكومية العميقة تركزت على تحسين نوعية ومحتوى التعليم في الدولة من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية.
ونجد أنّ السياسة التعليمية في قطر قائمة على إنشاء مدارس مستقلة مع لا مركزية واسعة للنظام.
كما استطاعت قطر بمجموعة إجراءات عملية اتخذتها على مدى سنوات وضع خطة عملية للقفز بنظامها التعليمي ليصبح منافسا قويا، أبرزها وضع رؤية وأهداف عامة حتى عام 2030م، تتضمن الرؤية تسخير عائدات الثروة الطبيعية من النفط والغاز لرفع كفاءة وإمكانات الطاقة البشرية عن طريق مناهج الدراسة الجامعية وقبل الجامعية، والاستفادة من تقنيات التعلم الجامعي الحديث في الخارج؛ حيث خصصت لهذه الغاية 3.2% من ناتجها القومي ونحو 12% من إنفاقها الحكومي للإنفاق على التعليم، أي نحو ستة مليارات دولار سنويا وسيتخطى إنفاقها ﻋﻠﻰ التعليم ﺣﺘﻰ ﻋﺎﻡ 2025 '41 ' ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺩﻭﻻﺭ، لقناعة مسؤوليها أن الارتقاء بالتعليم يعني الارتقاء بالدولة ككل.
البحرين.. ثورة تكنولوجية في كل مستويات التعليم
تحتل البحرين المركز الرابع في ترتيب الدول الإسلامية المتقدمة في جودة التعليم، فوفقًا لآخر الإحصاءات التي نشرتها منظمة اليونسكو، فإنّ معدل التعليم في البحرين قد وصل بصورة مذهلة لنسبة 99.77% في عام 2015، ويرجع السبب وراء هذا المعدل المرتفع للتعليم إلى أنّ القوانين بمملكة البحرين تنص على إلزامية التعليم بين الأطفال من سن 6 وحتى 15 سنة، وتسن الدولة عقوبات في حق من يحرمون أبناءهم حق التعليم.
كما قامت وزارة التربية والتعليم بتطبيق إجراءات عديدة من أجل تحديث نمط التعليم وتوسيع رقعة استخدام التكنولوجيا في مختلف مستويات التعليم، فعلى سبيل المثال، تعد إمكانية حمل الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية وأجهزة الآيباد من بين الأشياء التي ساعدت طلاب اليوم في الانخراط بصورة أكثر في بناء معارفهم الخاصة، كما أنها جعلت من البحث الأكاديمي أمرًا أكثر سهولة ويسرًا مما كان عليه في السابق.
إنّ مبدأ التعلم "من أجل التعايش مع الآخرين" لم يعد ينطبق فقط على نطاق العناصر المباشرة المحيطة بالمرء؛ ومن أجل ضمان أن يصبح طلاب المدارس الحكومية بمملكة البحرين على دراية ومعرفة بالتعليم الإلكتروني، فقد تم تزويد المدارس الحكومية بالحواسيب الإلكترونية من خلال برامج ومشروعات مثل "مدارس الملك حمد للمستقبل" عام 2004، كما قامت وزارة التربية والتعليم أيضًا بتنفيذ مشروع على نطاق ضخم يهدف إلى تدريب آلاف المعلمين والمديرين والمتخصصين على استخدام تقنية المعلومات، وتتضمن بعض معايير النجاح المحتملة المرتبطة بها على المراجعات المستقلة للجودة؛ الامتحانات الوطنية والنتائج المحققة في الاختبارات الدولية فيما يتعلق بالأداء المدرسي (ويُقصد بها الاختبارات الدولية المعروفة باسم تيميس، وبيزا وبيرلز).
إيران الخامسة إسلاميًا..
رغم مختلف التحديات التي واجهت دولة إيران، إلا أنها انتزعت وبجدارة المركز الخامس من الدول الإسلامية في مؤشر التعليم، فقد أحرزت تقدما كبيرا في قطاع التعليم العالي في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، ازداد الناتج العلمي بين عامي 1996 و2008 بمقدار 18 ضعفاً، من 736 ورقة منشورة إلى 13,238 ورقة، وفي عام 2011، نما الناتج العلمي 11 مرة أسرع في إيران من المتوسط العالمي وأسرع من أي بلد آخر في العالم. وتضم إيران اليوم عدداً ضخماً من طلبة العلوم والهندسة -أكثر من مليوني شخص- أي بزيادة قدرها 161% منذ عام 2004.
ووفقاً لإحصاءات اليونسكو التي نشرها البنك الدولي، أنفقت إيران ما نسبته 2,95% من ناتجها المحلي الإجمالي على التعليم في جميع المستويات عام 2014، ويمثل هذا الرقم نسبة 19,7% من إجمالي الإنفاق الحكومي، وهي نسبة أعلى من معظم البلدان النامية. وعلى الصعيد العالمي، أنفقت الحكومات ما متوسطه 14,25% من إجمالي الإنفاق على التعليم، فمعدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في إيران مرتفعة حسب معايير الشرق الأوسط، فقد بلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين 84,6%، مقارنةً بنسبة 78% في الدول العربية المجاورة، كما أنّ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 15-25 عاماً أعلى من ذلك وبنسبة 98%.
في إيران، التعليم الأساسي إلزامي ويستمر لتسع سنوات. وقبل إقرار قانون إصلاح التعليم لعام 2012، كان التعليم الأساسي يستمر لثمانية سنوات، ويُقسّم إلى تعليم ابتدائي مدته خمس سنوات، وثلاث سنوات للتعليم الثانوي الأدنى (الإعدادية). مددت الإصلاحات المرحلة الابتدائية إلى ست سنوات، مما أدى إلى توسيع نطاق التعليم الأساسي إلى ما مجموعه تسع سنوات.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، شهد قطاع التعليم العالي توسعا سريعا؛ ففي عام 1977، لم يكن في إيران سوى 16 جامعة، حيث بلغ عدد الطلبة فيها 154,315 طالباً، وفي عام 2008؛ كان في إيران أكثر من 3,5 مليون طالب مسجلين في الجامعات، حيث أنّ الغالبية العظمى من الطلاب مسجلون في القطاع الخاص. إنّ أكثر من ثلث الطلاب يلتحقون بجامعة آزاد الإسلامية شبه الخاصة (IAU)؛ أكبر جامعة في إيران وواحدة من أكبر الجامعات الكبرى في العالم، بوجود 1,7 مليون طالب، وفي عام 2013، تم قبول 57,9% من الطلاب البالغ عددهم 921,386 طالباً والذين اجتازوا امتحان القبول الموحد (الكونكور) في الجامعات العامة، وتعتبر امتحانات الكونكور تنافسية للغاية وتُقام مرة واحدة فقط في السنة، وهو اختبار متعدد الخيارات مدته 4 ساعات ونصف ويغطي جميع المواد التي تُدّرس في المدرسة الثانوية، وفي السنوات الأخيرة، تم سن تشريعات لإلغاء امتحان القبول الموحد واستبداله بنظامٍ مختلف.
ونخلص من كل ذلك أنه وعلى الرغم من هذه التحديات، يبدو أنّ نظام التعليم في إيران مفعم بالحيوية، سيما في المجالات العلمية والهندسية، حيث تعتبر إيران اليوم رائدةً في غرب آسيا وتستمر في إخراج باحثين من الطراز العالمي مثل مريم ميرزاخاني (أول فائزة بميدالية فيلدز، وهي جائزة مرموقة في الرياضيات) التي تقدم مساهماتٍ غاية في الأهمية للمعرفة البشرية.