إنَّا مكَّنَّا له في الأرض، بعد أن مرَّ بطريق وعر مرٍّ نهايته حلاوة ويسر! مكان الحكاية نفق يمتدُّ من كهف الجمعة إلى كهف الفؤاد والزَّمن سبعة أيَّام. يتجدَّد اللِّقاء بعدها، لتزيد الهمَّة وينقص الظَّلام في كهف الذَّات المتشعِّب العميق.
إلحاح ومناجاة بحسن الرَّشد وتنقية للنِّية من كلِّ الشَّوائب، "وهَيِّئ لَنَا مِن أمرِنا رَشَدًا". ثمَّ البداية من الخلوة التي تحفِّز بواطن النَّفس على الظُّهور وتعرِّي مكامن الخلل فيها، ولأنَّ معرفة الدَّاء تسهِّل عمل الدَّواء، ومن ثَم يأتي الشِّفاء ليربط على القلوب، ويزيدها هدى ورَشدا وثباتا.
بعد كلِّ ذلك سيأتي الميدان مُراوِدا القلب البصير فيخرج، ليجدهم أمامه يقولون الكثير، يثبِّطون ويُحبطون رجما بالغيب، ويأتي الحلُّ: فلا تُمار فيهِم إلَّا مراء ظاهرا "ولا تَستفتِ فيهِم منهم أحدا"، تمسَّك بمشيئته سبحانه وقل عسى أن يهديني ربِّي لأقرب من هذا رشدا. تلطَّف وقم بما أمِرتَ واذكر ربَّك إذا نسيت، لا تبتئس بما يقولون ولا تهتزَّ لما يفعلون و ألحح عليه كطفل متمسِّك بعباءة أبيه أن يديم عليك نعمه ويمنحك ما يعينك على مواصلة الطَّريق من شدَّة ولين وثبات وصدق وإخلاص.
و اصبر نفسكَ مع الصَّابرين العابدين القانتين في الممرِّ نفسه، مع من يشدُّون أزركَ ويحملون معك أثقالك ويضعون خطاهم على خطاك يريدون وجهه، لا تَعدُ عيناك عنهم، ولا تتَّبع من انحرفَت بوصَلتُه وضاعت بصيرتُه ووهَن إيمانُه لتكون جنَّات الفردوس نزلا لك.
بعد التَّوبة والرُّجوع، قد يراودك الجحود والعُجب وأمراض القلب، وقد يهمُّ بك الشِّرك صغيرا كان أو كبيرا، فإيَّاك أن تزيغ أو تتناسى الحساب وتستصغر الجنان، فمالحياة الدُّنيا إلا كماء أنزلناه من السَّماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرِّياح.
روِّض نفسك على الصَّبر على الملذَّات واجعل من أول معصية على الإطلاق عبرة لك. إبليس الذي رفض السجود لآدم لم يكن لديه شيطان يوسوس له، لكن كانت له نفس أمَّارة متعالية متكبِّرة. فاختار أن يقارن نفسه بالغير وكانت نتيجة أفكاره خروجه مذءوما مدحورا من رحمة الخالق.
لن تنال شيئا ما لم تتواضع وتحني رأسك وتنحر وقتك بحثا وطلبا وتفقُّها، ولا يوجد معلِّم في الوجود أفضل من التَّجارب، ستدرك ذلك أيضا. فلا تتذمَّر ولا تعترض على مشيئة القدر، فلكلِّ أمر حكمة تفوق نظرتنا القاصرة.
تجمَّل بالصَّبر وتسلَّح بالاصطبار والزم الحِلم والأناة كي لا تقع في غمار الحسرات، افعل ذلك وسيأتي يوم تسابق فيه جبهتك دموع الفرح برزق كنت تراه بعيدا لولا فضل الله عليك، وسينشرح صدرك رضى وشكرا لمن بيده ملكوت كلِّ شيء.
إنَّ الله إذا أراد أمرا هيَّأ له كلَّ الأسباب التي تؤدي إلى حدوثه، فأبق ذهنك يقظا واتَّبع ما آتاك الله من أسباب الخير. ومهما كان العلوُّ الذي ستصل إليه شاهقا لا تجعله ينسيك أنَّك وصلت إليه رحمة من ربِّك بك وتمكين منه واصطفاء لك، فاثبت واستعن برفقاء درب يكونون لك حصنا ترتاح فيه وجبلا تسند ظهرك عليه. وردِّد دائما: وما توفيقي إلا بالله.