"نهضة الأمة"، "عودة المجد"، "أستاذية العالم"، "موقع الصدارة"، آمال عريضة كبيرة يتمناها كل مسلم، ورؤية عظيمة تبنّاها عشرات من القادة والمجددين والمفكرين في سبيل رفعة الأمة الإسلامية وسموّها، ونشراً لرسالة نبيها، وإعادة حضارتها العتيدة العريقة!
آمالٌ تحولت في بعض الأحيان إلى أطروحات فكرية ثم مشاريع عملية تستند إلى أفكار بعض المفكرين والشخصيات الإسلامية المرموقة، منهم جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ثم الإمام حسن البنا، ونظريات مالك بن نبي التي ظهرت في كتبه ومؤلفاته، وصولاً إلى مشروع النهضة لرائده جاسم سلطان، ثم "عمران" للرائد د. طارق السويدان.
فهل نجحت تلك المشاريع؟ وهل تحققت هاته الأفكار؟ وهل ساهمت هذه الأطروحات في نهضة الأمة؟ لا شك أن كلَ مفكر يكتب ويرى بمنظور عصره، فلا يمكن أن يُبنى مشروع عمران دون ارتباط شعوري ومادي بما سبقه من مشاريع وأطروحات، فالحضارات بالتراكم، وكل حضارة استفادت من الحضارة السابقة وهكذا دواليك، والتاريخ مليء بالشواهد الحضارية التي تؤكد أن حضارة الغرب استمدت الكثير من روافدها وأفكارها من حضارة الإسلام والعكس صحيح.
واقع الأمة
الدول الغربية مبحرة، رُبّانُها العلم والمعرفة والتقنية، جعلت العالم كأنه قرية صغيرة، وسيطرة على العقول الكبيرة، وموارد الأرض، صعدوا إلى الفضاء يبحثون فيه عن كل مجهول، وعن رحلات ترفيهية لأصحاب الأموال! أصبحت الفجوة كبيرة، والطريق بيننا وبينهم بعيدة، ففي كل المجالات لهم سبق التطور والتقدم.
في المقابل: كنّا أصحاب حضارة، ملأت السمع والبصر، وحكمنا العالم لقرون طويلة، ونشرنا العلم في أنحاء الأرض، ورفعنا الأذان من أقصاها إلى أدناها، وكنا أهل السبق في بناء المستشفيات، والمساكن، والأوقاف، وتعبيد الشوارع، وإقامة الموانئ والجسور حتى أننا أوقفنا أرضاً للقطط المريضة التي يتخلّى عنها أصحابها!
والآن: نحن في ذيل القافلة، التخلف يضرب أطنابه في كل اتجاه، والأزمات متلاحقة متراصة فأينما ولّيت وجهك وجدت مشكلة وأزمة ومصيبة: فأزمة تخلف، وأزمة في الفكر، وأزمة في السلوك، وأزمة في القيادة، وأزمة فاعلية!
فكيف نعود؟ سؤال كبير يُطرح في فضاء العالم الإسلامي الذي يَعجُّ بأفكار مرتبكة، وقيادة فاسدة، وتبعية أجنبية، وغياب للبوصلة، ومئات المشكلات التي تطحن فيه دون علاج ودواء، ودون أفق في الحل وتغيير المسار نحو العمل والإيجاب.
الأمل
في هذه الأجواء المُربكة المُفعمة بالأمل، أعلن الدكتور طارق السويدان من اسطنبول عن (مشروع عمران) ليكون مشروعاً ينهض بالأمة من خلال تبني ودعم وتسويق وتدريب الشباب وتشجيعهم على تأسيس المشاريع؛ ليكونوا لبنةً في البناء الحضاري القادم، وذلك ضمن خطة استراتيجية مدتها عشرين عاماً عنوانها المساهمة في نهضة الأمة.
إن مثل هذه المشاريع النهضوية لهي حاجة ضرورية في المسار الاستراتيجي لنهضة الأمة، ولا يمكن أن نُقلّل من شأنها وأثرها على الأمة وشبابها، فإن الشعوب عطشى لتنمية بلدانها، وإنهاء مشاكلها وأزماتها، وهي كذلك إيجابية في التعامل مع أصغر مشروع نهضوي يُراد منه جعل الأمة في مصافّ الأمم.
لكن، هل أدرك الشباب أهمية علم الاستراتيجية في نهضة الأمة؟ وهل هذه المشاريع التي يقودها الشباب ويدعمها "عمران" تأتي في سياق الاستراتيجية التي وضعها؟ وهل رسم "عمران" مساره الاستراتيجي؟ وهل هو مكتمل الأركان: مفاهيمياً، وتنظيمياً، وإدارياً، وكذلك مالياً؟
إني أرى من الضروري أن يقوم (مشروع عمران) بنشر الغايات والأهداف الاستراتيجية لخطته حتى يتسنّى للشباب وأصحاب المشاريع من وضع أفكار ومشاريع تنساق مع هذه الأهداف الاستراتيجية، وحتى لا يكون هناك ارتباك أو عدم وضوح في الرؤية فينتج عنها مشاريع وأفكار وبرامج مكررة تكون بعيدة كل البعد عن هدف عمران.
ويجب أن يعلم الشباب أن لكل دولة إرادة وطنية أو حلم وطني ينبغي عليهم السعي نحو إيجاده وتكوينه من خلال مخالطة الناس، والجلوس معهم، ومعرفة ماذا يريد الشعب؛ لتوحيده على إرادة وطنية واحدة أو حلم وطني واحد، ثم نوجّه كافة أنشطتنا وبرامجنا نحو تحقيق هذه الإرادة وهذا الحلم.
ويجب أن يكون توجهنا في كل ذلك: ماذا يريد الشعب؟ ماذا يريد الوطن؟ لا ماذا تريد الحكومة وماذا يريد الحاكم!