ما أجمل لذة التصالح مع أنفسنا وما أطيب شذاها الفواح، ما أعذب هدوء شرورنا في داخلنا وما أطيبها بعد السماح، كل الأنفس لها كبوات وعثرات وعيوب، تترجم في مواقف، أفعال، وأحاسيس تجعلنا في حروب طاحنة مع ذواتنا، نخسر فيها معاني البشرية السمحاء، تقمصنا تارة دور الشرطي والقاضي ونظرنا إلى الناس من حولنا باعتبارهم لصوصا ومجرمين، وجهنا أصابع الانتقاد ورفعنا السقف بتزكية أنفسنا تارة، ووقفنا على مسارح التنمر والعدوانية تارة أخرى، لنبث المشاعر السلبية إلى غيرنا، رغم كل هذه الفوضى والتعصب لذواتنا، إلا أننا ننفي عنّا هذا الدور في كثير من الأحيان وندين مخرجاته جملة وتفصيلا، وهنا يتشكل التناقض والصراع مع ذواتنا، فكيف السبيل إلى وقف هذه المعارك والتناقضات؟ وما هي خطوات التصالح مع ذواتنا؟
1) التعرف على الجوهر
إذا بدر لأي منا هذا السؤال: "كيف نتصالح مع أنفسنا؟" فهنا بداية الحل، وبمجرد التركيز على الجانب الداخلي في عصر الصورة والمظهر الخارجي، والبحث عن الحلول التي تُخلصنا من ذلك الصراع وتساعدنا في معرفة الخلل، هذا يعني أننا في بداية الطريق السليم، لأن إدراك الذات ومعرفة عيوبها من أرقى مراتب الوعي، وبالتالي الوعي بالعالم الخارجي والمحيط، وذلك عن طريق محاسبة النفس مثلما نسعى إلى محاسبة الغير، إذ يجب أن يتعرى المرء أمام ذاته ويرى شرور داخله بتجرد فيصلحها ويهذبها ثم يَتَقبلها، وهذا أول حجر أساس يساهم في بناء الصداقة مع النفس، حيث ينعكس ذلك على المظهر الخارجي، فمهما تقدم العمر وشاخت الوجوه وامتلأت تجاعيدًا، فإن دواخل النفس لا تزيد إلا حُسنًا وجمالًا.
2) تقبل الآخرين من تقبل النفس
علينا الجزم بأنه لا وجود لشخص سيء مطلقا أو جيد مطلقا، فكل النفوس البشرية مزيج بين هذا وذاك باستثناء الأنبياء والمرسلين، ومن الضروري تقبل الناس كما هم دون أن نفرض عليهم معتقداتنا وطباعنا ودون أن نصب عليهم فحوى ثقافتنا ومكتسباتنا، فكل شخص يرى نفسه هو الأصوب لذلك وجب التعايش مع طباع الآخرين وتصرفاتهم دون الحكم عليهم أو وضعهم قاب قوسين، ويعد تقبل الآخرين من أسرار إصلاح ذات بيننا.
3) الاعتناء بكل تفاصيلنا
أولًا: من التفكر والتدبر بأننا من صنع خالق بديع أحسن صورنا وأنعم علينا مدرارًا من الصفات التي ميزنا بها عن خلقه ومنحنا الفطرة السوية التي ولدنا بها.
ثانيًا: عن طريق نثر المحبة على أنفسنا جسدًا وعقلًا وروحًا، بأن نحب كل تفاصيلنا وزوايانا المكنونة وحتى خربشاتنا أو همسات الخوف من شيء معين، أن نرحب بكل ما فينا ونضمه إلينا تقبلا ومحبة، كما علينا الاهتمام بأبسط تفاصيلنا حتى لو كان شرب فنجان قهوة فأقل واجب ارتشافه باستمتاع لأننا نستحق ذلك، وإذا سمت محبة النفس في داخلنا رغم عيوبها سمت عندنا محبة الآخرين كما هم بصفاتهم المتضادة.
4) الرضا كنز لا يفنى
أهم عنصر في موضوع التصالح مع النفس هو الرضا، فالإنسان الذي لا يرضى عن نفسه يكون أكثر استعدادا للفوضى وأكثر تنمرًا، يلزمنا الرضا والقناعة بما نملك والسماح لصوت الضمير أن يدوي على مسامعنا وعدم مقارنة أنفسنا بغيرنا، فكل شخص له ميزاته وجيناته حتى بصماتنا تختلف فما بالك بأنفسنا، كل إنسان له العديد من الصفات تميزه عن غيره فلو بحثنا بين تفاصيلنا وبين مقوماتنا وجدنا ما يرضينا أضعافا مضاعفة.
تعتبر مسألة التصالح مع أنفسنا أولًا قبل الآخرين وتحقيق السلام الداخلي من أصعب الأمور في عصرنا الذي بات يعتمد في الأغلب على الصورة الخارجية، إلا أن صراعنا الداخلي بات كالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر وتشوه جمالنا الخارجي، وآن الأوان لمسك لجام أنفسنا والسير على مضمار التصالح مع أرواحنا و تهذيبها بأخلاق ديننا ونشر رسائل السلام والإيجابية والسكينة على غيرنا.