قال تعالى: "مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
تأتي مبادرة القمة كنواة لتكتل إسلامي متماسك (صلب)، بعد فترة ركود سياسي طويل مرت بها دول العالم الإسلامي، زادت فيها الصراعات والحروب الداخلية، والتي نتجت عن تحزب عددٍ من الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية في أحلاف وتيارات تخدم أجندات ومصالح القوى المعادية للحضارة الإسلامية وقيمها الإنسانية العظيمة.
فمن أين يأتي الأمل في قمة ماليزيا الإسلامية؟
تختلف هذه القمة من حيث طبيعتها وأهدافها والمشاركين الأساسيين فيها عن غيرها من القمم والمؤتمرات التي تنظمها مراكز ومنظمات إسلامية، حيث غلب على هذه المؤتمرات واللقاءات الطابع الشكلي؛ فهي تعقد وتنتهي بدون أي نتائج واقعية، وكأنها لرفع العتب أو لنيل مكاسب إعلامية وسياسية لا أكثر. بينما يتضح وراء القمة الماليزية وجود نية صادقة لمواجهة أزمات المسلمين حول العالم حيث ستطرح مقترحات وحلول ناجعة لها بإذن الله.
القوة والإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها الدول الرئيسية المشاركة في القمة والراعية لها؛ فهي وإن كانت أربعة دول فقط رئيسية وهو عدد قليل إذا ما قورن بتعداد دول العالم الإسلامي ولكنها بداية لمشوار طويل، وعدا القوة السكانية والطاقة البشرية، تملك هذه الدول قوة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها، فماليزيا تمتلك اقتصاد تنموي ناجح بالإضافة إلى تطورها في المجال التقني، وتركيا دولة إقليمية ذات قوة سياسية وعسكرية واقتصادية لا يستهان بها بالإضافة إلى أنها مرت بتجربة تنموية اقتصادية فريدة من نوعها. أضف إلى ذلك القوة الاقتصادية التي تمتلكها قطر، وإعلامها المتميز ودبلوماسيتها المرنة ودورها الإنساني، مما يجعلها تحظى بالاحترام والتقدير والمصداقية لدى الدول والشعوب على حد سواء. وكذلك الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها إيران والتي انضمت للقمة مؤخراً، وقد يكون وجودها في هذا التكتل تصحيحاً لمسارها السياسي داخل بلداننا العربية.
ما يعزز الثقة في مخرجات هذا الاجتماع (القمة) هو أن هذه المجموعة من الدول المشاركة، تتمتع باستقلالية سياسية واقتصادية وذات بعد استراتيجي تنموي، وذلك يمنحها القدرة على التفاهم مع جميع الدول الفاعلة في العالم، كما لديهم القدرة على تقديم مصالح شعوبهم ودولهم على غيرها.
ما قد يتيح الفرصة لتشكيل جبهة دفاع مشترك قوية تحمي الأمة، وتعمل على إدارة الأزمات بشكل أسرع وتجاوز العقبات التي تواجهها، بالإضافة إلى أنه تشكل واجهة إسلامية لها مكانة مرموقة في المجالين الإقليمي والعالمي.
هذا وإن السيرة الحسنة والمسيرة التاريخية المشرفة للزعماء الدكتور مهاتير محمد والرئيس رجب طيب أردوغان والأمير تميم، والتي كتبت من خلال المواقف التي اتخذوها حيال قضايا الأمة الإسلامية، وذلك بدعمهم للشعوب المظلومة والمستضعفة على كافة الصعد، وتنديدهم بالمظالم التي تقع وتذكيرهم بالقضايا التي يتناساها المجتمع الدولي متعمدًا، بالإضافة إلى محاربتهم للإسلاموفوبيا ويصدون كل محاولات النيل من الدين الإسلامي وأهله.
كل ذلك يكسب هذه القمة المصداقية، والتي بدورها تعطي المسلمين بارقة أمل بعد انقطاع طويل ساده اليأس. وقد تكون هذه القمة فاتحة خير لما بعدها، فهي مفتاح لأفكار ومشروعات جديدة لدى أبناء هذه الأمة تقوم على التكامل الاقتصادي وتنفيذ مشاريع في البحث العلمي والتطوير التقني والرقمي، وتقديم خطاب حضاري نهضوي أساسه العدل والحريات وحماية حقوق الإنسان والخير لبني الإنسان، وكذلك الندية في العلاقات الدولية، وهو ما قد يتيح الفرصة لتشكيل جبهة دفاع مشترك قوية تحمي الأمة، وتعمل على إدارة الأزمات بشكل أسرع وتجاوز العقبات التي تواجهها، بالإضافة إلى أنه تشكل واجهة إسلامية لها مكانة مرموقة في المجالين الإقليمي والعالمي.
نسأل الله تعالى أن يكتب لهذه الأمة الخير والسلام والازدهار ونرى شهوداً حضارياً ورفعة وعزة لأبنائها.