ما تحتاجه الأمة اليوم ليس الموارد الطبيعية ولا البشرية، فهي بحمد الله زاخرة بهذه الموارد لا سيما النوع الأخير إلى درجة الغثائية.
ما تحتاجه أمتنا اليوم هو صناعة الموارد البشرية، أو إعادة صياغتها وبنائها وتأهيلها وتدريبها؛ لإخراج أفضل ما عندها، كي تقوم بدورها في الاستخلاف وعمارة الأرض.
لكن نظراً لثقافة الوهن، والانهماك في ملذات الدنيا، والتوغل في دهاليزها والغرق في أوحالها، جعل كثيرا من أبناء الأمة يشردون عن الله، حتى أثناء ممارساتهم اليومية للشعائر التعبدية.
لقد غفلوا أو تناسوا استشعار العبودية لله والإحساس به في كل عمل يقومون به، بمعنى غياب الإحسان في أغلب أعمالهم إلى درجة تأدية الأعمال بشكل ميكانيكي آلي.
وقد يكون ذلك بسبب عدم ممارسة عبادة التفكر والتأمل وإعمال العقل في الكون، وأثناء تأدية أي عمل من الأعمال، وربما يرجع ذلك إلى كثرة التعوّد وتكرار فعل هذه الأشياء، فكثرة الإمساس تذهب الإحساس كما يقال، مما جعلها تفقد قيمتها وفاعليتها وثمرتها.
لذلك فإنّ السر الذي يجب أن يعرف ويعمل به أنه يكمن إعادة الناس إلى الله، عودة حقيقية تجعلهم يستشعرون حقيقة خلقهم، واستخلافهم في هذه الأرض.
عودة تجعلهم يستشعرون حقيقة النعم التي منحهم الله إياها، حقيقة الجود والكرم والفيوض الإلهية التي يغدقها الله عليهم رغم بعدهم عنه، وإخفاقهم في القيام بوظيفتهم التي خلقوا من أجلها، وهذه كلها مصادر لإشعال جذوة الإيمان وبعثها من جديد.
إننا بحاجة لإعادة الأمة إلى ربها روحانيا؛ نظرا للسيطرة المادية التي أوجدت خواءً روحانيا لا مثيل له في أمتنا اليوم، وذلك من خلال وضع آلية مدروسة وفعّالة لإعادة جذوة الإيمان وإحيائه في النفوس من خلال العودة الحقيقية إلى القرآن فهماً وتدبرا وعملاً، فهو المنهج الحادي والدليل الهادي، فإعادة بعث الجانب الإيماني في الأمة هو السر الذي يجب أن يعود لنسهم في النهوض.
إنه الإيمان بالله، الإيمان بقضيتنا، الإيمان بفكرتنا، الإيمان بإمكانية المساهمة في عمارتنا للأرض، الإيمان باستخلافنا، الإيمان بقدراتنا وإمكاناتنا، الإيمان بقدرتنا على النهوض الحضاري.
إنّ النفوس حين تسمو وترتقي في مدارج العلو والقرب الإلهي، تسمو وتنهض في مدارج النمو والنهوض الحضاري، إنه بقدر سمونا وقربنا من السماء تسمو أرواحنا، فتسمو هممنا وتنهض أمتنا، وبقدر التصاقنا بالطين وإخلادنا إلى الأرض تهبط هممنا وتنحط أمتنا وتتخلف.
وأكبر دليل على ذلك السمو الذي كان أحد ركائز النهوض هو جيل الصحابة، فحينما كانوا في ذروة القرب الإلهي والسمو الإيماني والروحاني، قاموا بوظيفتهم على أكمل وجه، وأسسوا وقادوا أروع حضارة عرفتها الإنسانية.
وحينما بدأ الخواء الروحاني والجفاف الإيماني بدأ الانحدار والتخلف الحضاري عن ركب الأمم، وما زال مسلسله مستمرا إلى يومنا هذا، رغم وجود بصيص أمل يلوح في الأفق في أنّ الخير والنهوض قادم بعون الله.
وعليه يمكن القول بأنّ الأمة التي ينخرها الخواء الروحاني، ويجتاحها الجفاف الإيماني، أمة ليست مؤهلة بإعادة ألق حضارتها وبعثها من جديد، فضلاً عن ريادة العالم وقيادته.
وبناء على ماسبق يمكن أن نعيد الأمة الشاردة إلى الله من خلال:
*عودة حقيقية إلى المعين الصافي (القرآن الكريم، والسنة النبوية) فهماً وتأملاً وعملاً وتوظيف مختلف وسائل العصر الحديث في هذه العودة.
*بلورة خطاب إسلامي مؤثر معزز بآيات باهرات عن عظمة الخالق وعظيم صنعه.
*تدريب وتأهيل خطباء ووعاظ على مستوى من الفهم والوعي لقضايا مجتمعهم لطرقها ومحاولة علاجها.
*صناعة مفكرين بارزين قادرين على فهم واقع أمتهم وقضاياه، وبلورة حلول لأهم القضايا وأكثرها تأثيرا على أبناء الأمة.
*دراسة احتياج كل مجتمع على حدة، وإيجاد آلية فعالة لمعالجة وتلبية أبرز الاحتياجات المجتمعية، ووضع خطط وحلول لأزمات الفكر والسلوك والقيادة والفاعلية والتخلف التي تعانيها أمتنا.
إننا بذكرنا لهذا السر لا يعني أن نهمل أو نغفل أو نتجاهل بقية المقومات والأسرار والعوامل التي تسهم في نهضة أمتنا، بل يجب أن نستثمر كل المقومات والإمكانات والوسائل لإعادة هذه الأمة إلى الواجهة بعد تخلفها الذي دام أربعة قرون، إنها أمة مكانها الحقيقي في المقدمة وليس الذيل، لكن لن يحصل ذلك إلا إذا عملت بكل أسرار وعوامل النهوض وفي مقدمتها القرب من الله، وإحياء الألق الإيماني في النفوس، والعمل على معالجة التصحر الروحاني المطمور برواسب المادية.