من شيد المكتبة العظيمة؟
تضاربت الأقاويل بخصوص من شيد مكتبة الإسكندرية القديمة، فراح بعض المؤرخين إلى القول أنه قد تم تدشينها إبان حكم ببطليموس الأول فيما راح آخرون إلى أن الإسكندر الأكبر هو من قام بتدشينها قبل 23 قرنا، أين وضعها ضمن تخطيط بناء الإسكندرية، ويرجح آخرون إلى أن المكتبة قد تم بناؤها على يد بطليموس الثاني وذلك بين عامي (285-247).
صرح تاريخي عظيم
ترجع شهرة المكتبة القديمة باعتبارها أول مكتبة حكومية في العالم القديم، وليس لاعتبارها من أوائل المكتبات في العالم، حيث أكد مؤرخون أن المعابد الفرعونية كانت تحوي العديد من الكتب والتي كانت خاصة بالكهنة والبلاطمة فقط في ذلك الوقت. كما ترجع عظمتها كسرح ثقافي مهم لاحتوائها على أهم الكتب وعلوم كل من الحضارتين الفرعونية والإغريقية. كما وقد تميزت بمزج علمي وإلتقاء ثقافي فكري جمع بين العديد من علوم الشرق والغرب. مما جعلها تعتبر نموذجا للعولمة الثقافية القديمة باعتبارها كانت شاهدة على تزاوج الحضارة الفرعونية والإغريقية مما أنتج الهلينستية.
وقد تمت تغذية المكتبة عن طريق تجار الكتب الذين قدموا إلى الإسكندرية لبيع أندر الكتب والوثائق القديمة الخاصة بالكهنة و البلاطمة. بالإضافة إلى العديد من أهم المراجع الفكرية اليونانية التي تم الحصول عليها من خلال مصادرة الكتب الموجودة بسفن الشحن التي كانت ترسوا بشواطئ الإسكندرية، أين يتم استنساخ الكتب وتسليمها لأصحابها فيما يتم الإبقاء على النسخ الأصلية على مستوى المكتبة. وقد أدت عمليات تغذية المكتبة المستمرة إلى ندرة مساحة الإحتفاظ بهذه الكتب على مستوى المكتبة، مما أدى إلى ضرورة إنشاء مكتبة فرعية لتخزين فائض الكتب على مستوى معبد السيرابيوم.
وتجدر الإشارة إلى أن عظمتها الحقيقية ترجع لعظمة القائمين عليها، والذين فرضوا على كل عالم يدرس بالمكتبة آنذاك ضرورة وضعه نسخا من أعماله ومؤلفاته على مستوى المكتبة. ونذكر منهم ديمتريوس الفاليري اليوناني الذي اشتغل لمدة طويلة كمنظم المكتبة حيث جمع نواة المكتبة. وقيل بأنه عمل كمستشار لبطليموس الأول أثناء فترة حكمه.
مكتب الإسكندرية من صرح علمي إلى بقايا حطام!
بعد ما تعرضت له المكتبة من محاولات تدمير كان آخرها الحريق الذي أودى بها في القرن 48 قبل الميلاد، وقيل أن ذلك قد حصل بسبب الحرائق التي أوقدها "يوليوس قيصر" أين قام بحرق 101 سفينة على ضفاف البحر المتوسط وذلك بعدما حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا بعد أن أحس بموالاة القيصر لأخته التي كان على خلاف معها، لتبلغ بذلك النيران مخازن المكتبة وجدرانها ما أرداها لحطام متفحم.
فيما يذهب بعض المؤرخين إلى أن المسلمين هم من قاموا بحرقها إبان عهد عمر بن العاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، فيما نفى آخرون ذلك باعتبار أنه لا يوجد أي إشارة تاريخية توحي بأن المسلمين كانوا السبب في ذلك.
المكتبة العظمى تعود من جديد..
لم يتم فتح مكتبة الأسكندرية ثانية إلا سنة 2002 بدعم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم. لتعود بذلك مكتبة الإسكندرية بتأهيل عمراني ضخم وجديد، وهي تحمل اسم مكتبة الإسكندرية الجديدة.
وتلعب مكتبة الإسكندرية الجديدة دورا مهما في دعم الرقمنة، باعتبارها أول مكتبة رقمية في القرن 21 في إطار الحملة التي أطلقتها منظمة يونيسكو. حيث جمعت هذه المكتبة مختلف التراث الثقافي والإنساني لمصر على مر العصور. مما جعلها تلعب دورا مهما في خلق التفاعل بين الثقافات من خلال تسهيل الاطلاع على مجمل المنجزات العلمية والثقافية على مدار التاريخ، كما و تتيح رقمنة المكتبة سهولة الولوج للعديد من المخطوطات والوثائق التاريخية وكذا المطبوعات والعديد من المراجع على غرار مجموعة ثمينة من الكتب ذات القيمة التاريخية العظيمة كأعمال هوميروس وأرسطو وذلك بالعديد من اللغات.
تتسع المكتبة لأكثر من 8 ملايين كتاب، ست مكتبات متخصصة منها مكتبة خاصة بالمكفوفين والتي تفتح أفاقا جديدة للمكفوفين للاطلاع على مصادر المكتبة، ومكتبة مخصصة للأطفال، ثلاثة متاحف، بالإضافة إلى سبعة مراكز بحث ومعرضين دائمين وست قاعات معارض فنية متنوعة وقاعة إستكشاف وأخيرا مراكز مؤتمرات.