تعرّف المؤسسة بأنّها "منظمة خاصة أو عامة تم تأسيسها لأداء نوع محدد من الأعمال أو الأهداف سواء تعليمية أو وظيفية أو اجتماعية أو غيرها"، ومن أجل أن تضمن أي مؤسسة تحقيق هدفها يجب عليها أن تتبنى عدة سياسات وتُراعي تطبيق بنودها، حتى تحقق أرباحًا في صالحها وصالح المجتمع.
قد أصبحت المؤسسات أحد أهم المؤشرات التي تقاس بها تنافسية الدول واستقلت بمؤشرٍ خاص بها، إذْ تعتبر وسيلة مثلى للاستفادة من أموال أصحاب الدخل العالي لصالح المجتمع بتوفير الخدمات التي تخفف عن عاتق الدولة بعضا من مهامها الكثيرة، كما تتوسع بعض المؤسسات لتصبح فوائدها على المستوى العالمي لا على المستوى المحلي فقط، مما يزيد من تنافسية دولتها التي نشأت فيها على سلم التنافسية الدولي.
في هذا التقرير نريد أن نتعرف على الطرق التي تقاس بها تنافسية المؤسسات بين الدول؟ وما هي المؤسسات بشكل أوسع؟ وما وزنها في ميزان الاقتصاد بالنسبة للدولة؟ كيف ننميها؟ وما هي المشاكل التي قد تواجهنا؟
كيف تقاس تنافسية المؤسسات بين الدول؟
إن البيئة المؤسسية للدولة تعتبر عاملًا حاسمًا للقدرة التنافسية، وستبقى كذلك إلى حد كبير في مؤشر التنافسية العالمية GCI المُحَدَث دون تغيير فيها، كما يعتبر مؤشر "المؤسسات" هو الأكثر استخدامًا، ويحسبه المنتدى الاقتصادي العالمي كأساس لتقرير التنافسية العالمية.
وفي سياق GCI الحالي يتم تعريف المؤسسات بخاصيتين تعكسان الخصائص الأساسية التي وضعتها الأدبيات الاقتصادية[1]:
أولًا، وضع قيود رسمية وملزمة قانونًا من قبل المؤسسات -مثل القواعد والقوانين والدساتير- جنبًا إلى جنب مع آليات التنفيذ المرتبطة بها.
ثانيًا، تتضمن المؤسسات قيودًا غير رسمية مثل قواعد السلوك والاتفاقيات ومدونات السلوك المفروضة ذاتيًا مثل أخلاقيات العمل، وتشمل كذلك قواعد حوكمة الشركات.
إن المؤسسات ومن خلال تشكيل الطرق التي ينظم بها الأفراد أنفسهم ومعاملاتهم الإقتصادية تشكل عمودًا فقريًا للمجتمعات، حيث أن الاختلافات بين المؤسسات تفسر العديد من الأسباب الأساسية للاختلافات في مجالات التكنولوجيا وفي رأس المال المادي والبشري، والتي بدورها تفسر جزءًا كبيرًا من اختلافات الدخل بين البلدان[2].
إن الأدلة التجريبية المُوضحة في التقرير الدولي قد بينت أهمية المؤسسات في رفع الإنتاجية، حيث تشير إلى أن دورها الأساسي يتمثل في وضع الحوافز المناسبة وتقليل حالة عدم اليقين، حيث يمكن للمواطنين أن يكونوا واثقين من أهمية انخراطهم في الأنشطة الاقتصادية.
كما أن الوكلاء الاقتصاديين لن يستثمروا إلا عند اعتقادهم بأنهم سيحصدون الفوائد والعوائد المتوقعة من عملهم أو استثماراتهم دون الحاجة إلى إنفاق مبالغ زائدة من الوقت والمال لحماية ممتلكاتهم ومراقبة وفاء الآخرين بالتزاماتهم التعاقدية، يعتمد هذا -بشكل غير رسمي- على مستويات كافية من الثقة في المجتمع، كما يعتمد -بشكل رسمي- على وجود مؤسسات قادرة على ضمان مستوى أساسي من الأمن وإنفاذ حقوق الملكية، وهذا بدوره يعتمد على التكوين السياسي للمؤسسات وهيكل السلطة، والذي وفقًا لتقرير دافوس يتميز بما يلي:
- معدل الشفافية.
- كفاءة القطاع العام.
- وجود الضوابط والتوازنات.
«التحفيز على الاستثمار المؤسسي».. مسؤوليات الدولة تجاه المؤسسات
وثقت الأدبيات الاقتصادية أهمية حقوق الملكية القابلة للتنفيذ بالنسبة للاقتصاد، وذلك من أجل التحفيز على الاستثمار المؤسسي، حيث أن امتلاك حق السيطرة على الأصول والعوائد التي قد تنتجها تُشكل حوافزا حقيقيةً للاستثمار سواءً في رأس المال المادي أو البشري أو في التكنولوجيا، كما تشجع على الإنشاء، والابتكار، والتجارة، والإصلاح.
ونشير إلى أن غياب حقوق الملكية سيؤدي إلى توجه الناس للعمل في قطاع غير رسمي. ويقترح "De Soto" أنه لا يمكن لأي دولة أن تتمتع باقتصاد سوق قوي دون مشاركة كافية في إطار يفرض الملكية القانونية للممتلكات ويسجل النشاط الاقتصادي، لأنها الشروط المسبقة للحصول على الائتمان وبيع العقارات والسعي للحصول على سبل الانتصاف القانونية للنزاعات في المحكمة[1]. وبالتالي نخلص إلى أن ضمان حماية حقوق الملكية يعتبر دورًا رئيسيًا للدولة.
كما أن للدولة دورٌ أساسيٌّ آخر يتمثل في ضمان أمن مواطنيها، يعتبر هذا الأخير حدًا أدنى لتحفيز النشاط الإقتصادي، حيث أنّ العنف والابتزاز والجرائم المنظمة والإرهاب تمثل في مجموعها عوامل تثبيطٍ كبيرة للاستثمار الخاص والمعاملات الاقتصادية.
قد قدمت البحوث التجريبية أدلة على أنّ جرائم القتل والسرقة والابتزاز والاختطاف يمكن أن تؤدي إلى تراجع الاستثمار[3]، ووضحت تلك البحوث بأن النشاط الإجرامي عامة يفرض ضريبة على الاقتصاد بأكمله، فهو يشجع على الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة، ويقلل من قدرة الشركات على المنافسة، ويخصص الموارد لإعادة حالة عدم اليقين وعدم الكفاءة.
أما الجريمة المنظمة فيمكن أن تولد سوء تخصيص رأس المال والعمل، وأن تعمل كحاجز لدخول السوق "كمثال المافيا التي تمارس سوء تخصيص رأس المال والعمالة من خلال إجبار الشركات على شراء مدخلات مبالغ فيها أو استئجار أفراد بناءً على صلاتهم بالمنظمة؛ بهذا قد تكون سببًا في منع رواد الأعمال الجدد من دخول السوق؛ ويمكن أن يؤثر ذلك على السياسيين والمسؤولين الحكوميين في تحويل الاستثمارات العامة والتدخل في اختيار الموظفين العموميين."[4]
3 خصائص تعكس «جودة المؤسسات»
بالرغم من أهمية توفير الدولة لهذه القيود الرسمية والظروف الآمنة، إلا أن تنفيذها يعتمد على جودة المؤسسات، وتُظهِر البحوث وجود ثلاثة خصائص تحدد جودة المؤسسات[1]:
- غياب الفساد والتأثير غير المبرر، يُفهَم الفساد على نطاق واسع على أنه إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، إن الفساد يؤثر على تخصيص الموارد للعمليات الأكثر كفاءة، ويقوض النمو وذلك بخمسة تأثيرات مباشرة:
- تقليل الحافز للاستثمار، لأن الوكلاء الاقتصاديين ينظرون إلى الفساد على أنه نوع من الضرائب.
- سوء تخصيص رأس المال البشري، لأن المواهب تحفز على المشاركة في أنشطة البحث عن الريع بدلًا من العمل المنتج.
- فقدان إيرادات الضرائب.
- الإنفاق العام غير المناسب، حيث أن المسؤولين الحكوميين يخصصون نفقات أقل لتعزيز الرفاهية العامة مقارنة مع التي يوفرونها لابتزاز الرشاوى.
- تقليل جودة البنية التحتية والخدمات العامة من خلال سوء تخصيص عقود المشتريات العامة.
2. الكفاءة في القطاع العام، تعتبر العامل الثاني المحدد للجودة المؤسسية ولها جانبان هما: خدمات إدارية فعالة وبيئة سياسية مستقرة.
تظهر الكفاءة الإدارية فى تقليل الروتين غير الضروري في العمليات التجارية مثل: تحصيل الضرائب، والامتثال للوائح، والحصول على التصاريح، والنظام القضائي، وهناك أدلة تجريبية على أن البيروقراطية المرهقة تقلل الاستثمارات وكفاءة الشركات.
أما البيئة السياسية فقد يؤثر استقرار السياسات على الإنتاجية من خلال ما ينشأ من خوف أو توتر بشأن المستقبل، وبالتالي توسيع الأفق الزمني لتفضيلات المجتمع، كما قد يؤدي ذلك إلى تخصيص أفضل للموارد، بما في ذلك المزيد من استثمارات البحث والتطوير، وبالتالي تحقيق تقدم تكنولوجي أسرع.
3. المؤسسات ذات الجودة تكون ذاتية النمو والتطور، أي أن القواعد التي تحكم التفاعلات البشرية هي نتيجة الاختيارات التي يتخذها أولئك الموجودون في السلطة، ويتم اختيارهم على أساس القواعد التي يضعونها.
إن فصل السلطات، وخاصةً استقلال القضاء، قد تم الاعتراف به منذ فترة طويلة كأمر محوري لمنع أولئك الموجودين في السلطة من استغلال السلطة المطلقة أو تشكيل المؤسسات الاقتصادية لصالحهم الشخصي على حساب بقية المجتمع.
كما يجب أن تكون فروع الحكم الممثلة في الصلاحيات المنفصلة قادرة على مساءلة بعضها بعضًا بشكل متبادل عن طريق الصلاحيات التي يخصصها لها القانون.
بالإضافة لجودة المؤسسات العامة، فإن تحديد معايير أخلاقيات الشركات والحوكمة تحفز الشركات والمستثمرين والمجتمع للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية.فالمشاركة تمكن المساهمين من ممارسة سلطتهم على الشركات، مما يعظم دورهم ويؤثر على زيادة إنتاجية الشركة، كما أن مواءمة حوافز مديري الشركات تحد من تكاليف المستثمرين وتحفز لمستويات أعلى من الاستثمار بتخفيض تكاليف رأس المال للشركات.
تتعلق حوكمة الشركات بالوصول الشفاف للمساهمين إلى المعلومات الدقيقة في أي وقت، ومساءلة الإدارة أمام مجالس إدارة قوي ومستقل "مدقق مستقل".
بالإضافة لذلك فإن المعايير السلوكية تلعب دورًا مهمًا في طريقة إدارة الأعمال، حيث يمكن للمعايير الأخلاقية العالية بين قادة الأعمال المساهمة في بناء الثقة، وبالتالي تقليل تكلفة رأس المال والإلتزام [1].