الناس مع كورونا ثلاثة أصناف.. صنف يخوف الناس ويجعلهم يشعرون أن الموت يبيت عند رؤوسهم.. ولا ينبغي أن نوصل الناس إلى حد الهلع، فقد قيل إن "الخوف المبالغ فيه من المرض هو مرض بحد ذاته"، وعلينا هنا أن نتذكر بأنه لم تمرض نفس إلا بإذن الله، ولن تموت -ولو أصابها المرض- إلا بإذن الله.
وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها)، فالمرض ليس أجلا، ومن كتب عليه الأجل سيموت بالكورونا أو بغيرها.. والخوف الشديد من المرض يقلل من مناعة الأجسام ضد الأمراض، فلا تخوفوا الناس أكثر من اللازم!
صنف من النّاس يهون الأمر ويستهين بالخطر، ويقول ألسنا نؤمن بقدر الله؟! فلماذا الخوف والهروب من الموت إذن؟ وأقول لهذا الصنف: أرأيت لو سمعت أن هناك قطيعا من الذئاب يجوب طرقات المدينة ويقتل من يراه أمامه.. أكنت تقول للناس لأخرجوا وما يقدره الله كائن؟ أم تقول لهم احتاطوا وقللوا حركتكم.. وما يقدره الله بعد ذلك كائن؟
ولو سمعت أن مجنونا يحمل رشاشا في الحي ويرمي عشوائيا.. هل ستقول لأولادك أُخرجوا في طرقات الحي، فما يقدره الله كائن؟ أم تقول لهم أدخلوا بيتكم وما يقدره الله بعد ذلك كائن؟
الفيروسات أخطر من الذئب والمجنون لأنها لا ترى بالعين المجردة، لذلك علينا أن نأخذ بالأسباب التي تمنع أو تقلل من مخاطر الإصابة بالمرض، نعم علينا عدم جعل الناس في خوف، ولكن أيضا علينا عدم التهوين من الأمر لأن التهاون هو السبب الأول في تفشي المرض.
حتى إن الدول الأوروبية تبدي ندمها اليوم لأنها استهانت بالمرض في البداية وبات يحصد منهم الآلاف مع كل التطور والنظام الصحي المتقدم، فتخيلوا حالنا لو تفشى الفيروس بيننا لا سمح الله.
وهذا الأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر، وهذا ما فهمه الفاروق عمر بن الخطاب يوم رجع ولم يدخل إلى مناطق الوباء التي عرفت في زمانه باسم "طاعون عمواس". وقال قولته الشهيرة (نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله).
صنف ثالث من النّاس، بين الصنفين، لا يضخم الأمور حدَّ الهلع، ولا يهونها حدِّ التسخيف. فهو يذكر للناس أن احتمال الإصابة بالفيروس ليس كبيرا ولكنه وارد، ونسبة الموت في الذين يصابون بالفيروس ليست كبيرة ولكنها واردة، لذلك فإن الواجب الديني والإنساني والأخلاقي يوجب علينا أن نأخذ بكل الاحتياطات الممكنة لتجنب الإصابة، فقد يصاب شخص ولا يموت، ولكنه ينقل الفيروس إلى أهله أو جيرانه فيكون سببا في إصابتهم أو موتهم لا سمح الله. فإذا كنت لا تخاف على نفسك، فما ذنب أهلك وأقاربك وجيرانك ومخالطيك؟ إن لم تحرص لأجل نفسك فاحرص لأجلهم فهم يستحقون منك تحمل بعض العناء لأجلهم.
وأخيرا تذكروا أنّ العودة إلى الله والإنابة إليه والإلحاح في الدعاء والإكثار من الطاعات والقربات والصدقات مما يعين على مواجهة الوباء ورفع البلاء.. ولكن مع الأخذ بالأسباب. اللهم ارفع الوباء وادفع البلاء عنا وعن أهلينا وأحبتنا والمسلمين وخلقك أجمعين.