نشر موقع Stat مقالا للصحفية المتخصصة في العلوم والصحة شارون بيجلي Sharon Begley تتحدث فيه عن الأسباب التي تجعل الكثير من البشر يصعب عليهم التحكم في القلق والخوف من فيروس كورونا المستجد المنتشر بشكل رهيب في كل أنحاء العالم.
تستهل الكاتبة مقالها بالقول: يتميز فيروس كورونا المستجد بقائمة طويلة من الخصائص المرعبة، مما يدفع الناس -من اليابان إلى الولايات المتحدة إلى أوروبا- إلى الشعور بالذعر، والتهام الأخبار العاجلة، وسرقة مطهرات اليد وأقنعة الوجه، والاعتقاد أن أي ألم بالحلق يعني مرضا قاتلا. كل ذلك جعلهم يتعرضون لقلق كبير جرّاء الخوف من الإصابة بالفيروس.
تقول فايلي رايت Vaile Wright مديرة الأبحاث السريرية والجودة في جمعية علم النفس الأمريكية:"نشهد مستويات متزايدة من القلق في الولايات المتحدة على مدى فترة قصيرة نسبيا من الزمن".
وقد وصلت محنة Covid-19 إلى مستويات عالية لدرجة أن منظمة الصحة العالمية WHO أصدرت يوم الثلاثاء مبادئ توجيهية لحماية الصحة العقلية أثناء تفشي المرض : "تجنب مشاهدة أو قراءة أو الاستماع إلى الأخبار التي تسبب لك الشعور بالقلق أو الحزن، اطلب المعلومات الأساسية لاتخاذ خطوات عملية لإعداد خطتك لحماية نفسك وأحبائك، اطلب تحديثات المعلومات في أوقات محددة خلال اليوم مرة أو مرتين، فالتدفق المفاجئ وشبه المستمر للتقارير الإخبارية حول تفشي المرض يمكن أن يؤدي إلى شعور أي شخص بالقلق."
ومن الواضح أن هناك ما يبرر بعض القلق، خصوصا وهو يدفع الناس إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد انتشارفيروس كورونا المستجد أو ضد الإصابة به، بعدما وصلت أنظمة الرعاية الصحية في بعض الدول إلى نقطة الإنهيار وإعلان منظمة الصحة العالمية عن تفشي الوباء، مما يرفع احتمالية غرق النظام الصحي الأمريكي أيضا بسبب نقص الأسرة وأجهزة التنفس.
إن Covid-19 أكثر قابلية للانتقال من الإنفلونزا الموسمية وأكثر فتكاً أيضاً، حيث يبدو أن معدل الوفيات أعلى بـ 20 إلى 30 مرة. وعلى عكس الإنفلونزا، لا أحد لديه أي مناعة اكتسبها من لقاح او تطعيم ضد فيروس كورونا . وتقول رايت Wright "إن الأشياء التي يتعين على الناس القيام بها حقيقية" .
وعلى الرغم من أن هذه الحقائق مثيرة للقلق، فإن رايت Wright وغيرها من علماء النفس يحددون سبعة أسباب إضافية تدفع إلى القلق من Covid-19 إلى درجة أنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وهو ما اعترفت به منظمة الصحة العالمية أيضاً:
عدم اليقين
إن الشكوك تغرس إحساسًا عميقًا بالخوف أكثر من أي جانب آخر يسببه الفيروس، حيث تتمثل الشكوك في من هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة أو الوفاة؟ ومن يمكنه نشر العدوى؟ وما الخطوات الوقائية الفعالة (هل غسل اليدين والابتعاد عن التجمعات كافٍ، أم لا يجب أن تغادر منزلك؟) وكيف ينتشر الفيروس؟
تقول رايت Wright: "ما نعرفه في علم النفس هو أن عدم اليقين هو الذي يدفع إلى القلق"، وذلك لأن "الناس يخشون المجهول" كما قالت ماري ألفورد Mary Alvord، اختصاصية علم النفس السريري في ولاية ماريلاند Maryland وأستاذة مساعدة في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة جورج واشنطن George Washington University، مضيفة: " ومع هذا الفيروس لدينا الكثير من الشكوك ونقص الوضوح". وهذا لا ينطبق فقط على الأسئلة الصحية الأساسية مثل خطر الإصابة أو شدة المرض ولكن أيضا على المسائل الدنيوية، مثل ما إذا كنت ستركب رحلة مخططة أو تحضر مؤتمرًا دفعت مقابله بالفعل وما إذا كان مكتبك أو عملك سيضطر إلى الإغلاق. تقول ألفورد Alvord مرة أخرى: "إنه القلق من عدم اليقين وهذا رد طبيعي جدا".
وتقول نيدا جولد Neda Gould، اختصاصية علم النفس السريري من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University أن عدم اليقين حول ما هو قادم ومدى سوء الأمر هو شيء "لا يعجب الدماغ" وتضيف: " ما يجعلنا نشعر بالضعف، أننا لا نعرف ما الخطوات التي يجب اتخاذها؟ فنحن مجتمع يحب التخطيط ومعرفة ما هو قادم. وبدلاً من ذلك، لدينا هذه الاضطرابات الضخمة وغير المتوقعة في حياتنا اليومية، والتي تسهم في وضعنا على حافة الهاوية".
أمر غير مألوف
إن عدم الاعتياد على ارتفاع معدلات وفيات من الانفلوانز هو سبب الذعر، تقول جولد: "الانفلونزا ليست جديدة، بل تحدث كل عام، ويمكن توقعها موسميا". ولأن فيروس كورونا المستجد غير مألوف و قد جاء من العدم، فقد خلق حالة من عدم اليقين زادت من حدة القلق.
ومن المرجح أن يكون هذا إرثاً تطورياً: ففي مواجهة خطر غير مألوف، فإن أخذ الحذر الشديد للبقاء على قيد الحياة، أفضل من افتراض أن كل شيء سيكون بخير.
تقول رايت Wright: "إن المشاعر، بما في ذلك القلق موجودة لسبب ما. إنها تنقل لنا أشياء وتحفزنا على العمل."
فشل القادة
إن التصريحات المرتبكة الصادرة عن المسؤولين المنتخبين تسهم في حدة القلق. فعلى سبيل المثال، وعد نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس Mike Pence بإتاحة ما يقرب من 1.5 مليون فحص لـ Covid-19، ولكنه لم يفِ بذلك. كما صرح الرئيس ترامب Trump للصحفيين الشهر الماضي أن:"أي شخص في الوقت الحالي يحتاج إلى فحص يحصل عليه"، لكن الولايات المتحدة لم يكن لديها ما يكفي من أجهزة الفحص لتحقيق ذلك أيضا.
تقول رايت Wright: "من المفترض أن يكون لدى المسؤولين معلومات دقيقة خاصة في بيئة من عدم اليقين، فعندما لا يفعلون ذلك، سيشك الناس في أي تصريحات مطمئنة يدلون بها لاحقا ".
أخطاء الخبراء
قد يتجاهل الناس ما يقوله الساسة، إلاّ أنّ الأخطاء التي يقوم بها الخبراء تزيد من القلق أكثر. فقد أعطى مسؤولو الصحة المحليون أوامر متضاربة في ما يجب القيام به بخصوص الحجر الصحي (البقاء في المنازل؟ أو الخروج في ظروف محددة؟)؛ فعندما يحدث على المستوى الوطني، أن تجد الأشخاص الذين من المفترض بهم أن يعرفوا ما يفعلونه لا يعرفون، فإن الأمر يصبح أكثر إثارة للقلق و يثير الخوف.
ضف إلى ذلك، في الشهر الماضي، تبين أن أجهزة فحص فيروس كورونا - التي تم توزيعها على إدارات الصحة في الولايات وعلى المستوى المحلي من قبل المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها - قد خرجت بنتائج غير صحيحة.
تقول رايت Wright: "بطريقة ما، الأخطاء التي يرتكبها القادة والخبراء هي أسوأ سيناريو ممكن". مما يجعل الناس يشعرون بالقلق من أولئك الذين يفترض أنهم يسيطرون على التفشي، ولكنهم في الحقيقة لا يعرفون كيف يفعلون ذلك.
الخروج عن السيطرة
لا ينحصر عدم اليقين في القضايا الطبية فقط، بل امتد إلى جميع مناحي حياتهم؛ فالناس لا يعرفون ما إذا كانت مدرسة أطفالهم ستغلق، وما إذا كانت وظائفهم ستختفي، وما إذا كانت الرحلة المخطط لها سيتم إلغائها. تقول ألفورد Alvord: "يأتي بعض القلق من الشعور بالخروج عن السيطرة، حيث لا يوجد شيء يمكننا القيام به حيال كل هذه الأشياء المهمة لحياتنا اليومية، أو حتى التخطيط لها".
المخاطر الشخصية والمخاطر المجتمعية
إن التدابير المشددة مثل إغلاق إيطاليا لشمال البلاد، وقائمة متجددة من البلدان التي تحظر التجمعات العامة وإغلاق المدارس وغيرها تعطي رسالة للدماغ مفادها أن Covid-19 يشكل تهديدا للصحة العامة.
ومع بلوغ عدد حالات الإصابة 118,000 حالة في جميع أنحاء العالم، ومع توقعات بالملايين، ومع الوفيات التي تزيد عن 4,000 حالة، فإن الخطر على المجتمع ككل كبير بشكل واضح.
وتقول ألفورد Alvord: "عندما تُغلق دولة ما، فإنها تلفت انتباه الجميع".
الدماغ ليس جيدا جدا في فصل المخاطر المجتمعية عن المخاطر الشخصية؛ حيث يصعب عليه تمييز الحقائق الأقل إثارة للقلق، مثل الخطر المنخفض جدا في معدل إصابة مواطن أمريكي بمرض شديد.
وتضيف ألفورد Alvord: "إنه من الصعب على الناس أن يضعوا فكرتين متضاربتين فى أذهانهم. الخطر الحقيقى على دولة واقتصادها، والخطر الأصغر على أي فرد، فنحن نميل إلى استقراء الفكرة الأولى لأنفسنا."
القلق غير الطبي
في الولايات المتحدة، القلق المالي بالإضافة إلى المخاوف الصحية ينتج عنهما تأثير خطير. ففي استطلاع للرأي أجراه موقع HealthCare.com الأسبوع الماضي لحوالي 2500 شخص في الولايات المتحدة، قال 48 ٪ منهم إنهم ليسوا واثقين تمامًا أو غير واثقين على الإطلاق من قدرتهم على التعامل مع تكاليف علاج Covid-19، وقال 31٪ فقط إن لديهم مدخرات كافية لدفع التكاليف الطبية المتوقعة.