سوف تشكل أزمة كورونا حدثا تاريخيا عالميا هاما ومدمرا، وإن ملامح النظام العالمي بعد انحسار جائحة كورونا سيحدث له إنهيار للنظام العالمي الحالي بما فيه النظام الاقتصادي الرأسمالي وإعلان نظام عالمي جديد سيحدث فيه تعديلات تفسح المجال أمام الاقتصاد الاسلامي.
التنبؤ بأن الآمال ستتحقق من تلقاء نفسها، غير صحيح فلا بد من الأسباب، ومن الأفضل الاستعداد لتصحيح الواقع الحالي الذي يبدو صعبًا على المدى القصير والمتوسط، لأن من غير الممكن العودة إلى الوضع الطبيعي لما قبل الأزمة دون إجراء بعض التعديلات على نظام الحياة بسبب فيروس كورونا الذي اجتاح معظم دول العالم خلال الأسابيع الأخيرة إلى وقت كتابة هذا التقرير ونحن في منتصف شهر أبريل 2020، والذي يعني أن وجود فيروس كورونا صار له أكثر من ثلاثة أشهر، وإن المنتصرين في المعركة الحالية كحرب عالمية اقتصادية ضد فيروس كورونا القاتل هم من سيتسنى لهم كتابة التاريخ.
إن كافة الدول باتت تعاني من الإجهاد المجتمعي الناجم عن انتشار الفيروس بطرق جديدة وقوية، ومن باب التنبيه فإن العالم سوف يتغير بعد وباء كورونا وتحدث تغييرات كبيرة، وفق السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: أحسن الاحتمالات
حدوث اتفاق بين القوى العظمى يؤدي إلى بروز الصين اقتصادياً وتقنياً والاستسلام لها ودياً بشكل سريع وبناء على الاتفاق بين الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي سوف يتم الاعلان عن اكتشاف العلاج واللقاح وينتهي الحظر والحجر الصحي في فترة قصيرة مع نهاية شهر مايو 2020 م، وبحدها الأقصى في الصيف مما يعني فقط حدوث ركود للاقتصاد العالمي.
وبالتالي ستعود الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي وهي عبر فتح الطيران وعودة الوظائف ثم مختلف قطاعات الانشطة وفق ضوابط التعقيم وغيرها الى أن تعود الحياة تدريجياً قبل نهاية هذا العام 2020 ولكن مع استمرار آثار الأزمة الاقتصادية والمالية الى عام 2021م حتى يبدأ بالتعافي وسيبدأ الازدهار في معظم الدول النامية في العالم وستكون للدول الإسلامية والعربية الحظ الوافر لأنها تملك الموارد والفرص الاستثمارية وتحتاج إعادة إعمار والاقتصاد سيكون قائم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا وبالتالي سيحدث ما يلي :
- أن العالم ما بعد فيروس كورونا لن يشهد استمرار زعامة الولايات المتحدة للعالم ولن ينظر إلى الولايات المتحدة كقائد دولي نظراً لسلوك الإدارة الأميركية الذي يقوم على تغليب المصالح الذاتية الضيقة وافتقار تلك الإدارة للكفاءة.
- الصين في الواقع هي التي ستقود المرحلة القادمة بالشراكة مع أمريكا والاتحاد الأوروبي وآخرين لأنها هي التي قامت بهذا الدور حالياً وتقود المرحلة بهذا الاتجاه و تتحول السلطة والنفوذ من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الى الصين الذي ما زال اقتصادها قوياً وهي تملك نصف احتياطي النقد المالي العالمي كما أن تعاطي الصين مع الوباء كان جيداً بالرغم من تعثرها في البداية عند اكتشاف الفيروس بينما بالمقابل توجد حالة من التخبط في أوروبا وأميركا وهذه من الأشياء التي شوهت وضعهم.
- أن يتعرض النظام الدولي لضغوط كثيرة يؤدى إلى ركود اقتصادي عالمي يتسبب بتراجع في النشاط الاقتصادي وزيادة التوتر بين البلدان، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار وإلى نزاع واسع النطاق داخل بعض الدول بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي.
- إعادة رسملة بعض الدول باستمرار بتقديم مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد لأنها غارقة في الديون ولديهم صعوبات، ومواردهم المالية العامة تحتاج إلى دعم.
- إبراز كفاءة بعض الحكومات وكشف فشل أخرى بسبب تعطيل الحياة التي حدثت في أزمة كورونا في مدن عديدة وإغلاق الأسواق وتعطيل حركة السفر والإضرار باقتصاد العالم كل هذا أظهر الحقيقة حيث كان بإمكان أمريكا التخفيف من الآثار العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير من خلال قيام المنظمات الدولية بتوفير مزيد من المعلومات في وقت مبكر، الأمر الذي سيمنح الحكومات الوقت الكافي للإعداد وتوجيه الموارد للأماكن التي تعد أكثر حاجة إليها، وكان بمقدور الولايات المتحدة الاضطلاع بهذا الدور وتنظيم تلك الجهود لتثبت أن اهتمامها لا ينصب فقط على الشأن الداخلي الأميركي.
السيناريو الثاني: أسوأ الإحتمالات
عدم حدوث اتفاق بين القوى الخفية التي هي أعلى من أمريكا والصين والتي تقود القوى العظمى مع أمريكا وسوف تحدث حرب عالمية ثالثة بحيث تفرض الحرب على الأطراف المتصارعة برئاسة القطبين وهما أمريكا والصين الجلوس على طاولة مفاوضات يتم بموجبها تقاسم الكعكة والنفوذ العالمي بشكل مختلف وسوف يستمر الحظر والحجر الصحي فترة أطول مما يؤدي إلى دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة كساد والذي سببه استمرار الصراع على النفوذ العالمي بين أمريكا ومن معها أمام الصين والآخرين بمعنى أنهم لم يصلوا الى نقطة اتفاق لتقاسم المصالح العالمية وظل النظام العالمي كما هو وفق الخمس الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن تحت السيطرة الأمريكية وبالتالي سيحدث مايلي:
- تحدي الصين للهيمنة الأميركية، هو الذي سوف تؤثر كثيرا على الاتجاهات الاقتصادية العالمية، و ستسهم في تسريع تغيير كان قد بدأ بالفعل، وهو الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى عولمة تتمحور حول إيجاد نظام عالمي جديد تكون الصين شريك فيه.
- إلغاء الاعتماد على الدولار وظهور عملة جديدة.
- سوف يتم تغيير معظم الاتفاقيات العالمية والتعديل في كل شيء.
- سوف يتم تعديل منظومة الانترنت وغيرها بحيث تكون فضاء مفتوح للجميع وليس متحكم فيه أمريكا فقط كما هو حالياً.
- أن الحكومات في مختلف أنحاء العالم ستتبنى إجراءات طارئة لإدارة الأزمة ولكن العديد من تلك الحكومات لن ترغب في التخلي عن السلطات الجديدة عندما تنتهي الأزمة وهذا لن يسهم في تغيير السياسة العالمية السائدة التي يطبعها الصراع، من قبل لم تضع حدا للتنافس بين القوى العظمى ولم تكن نقطة بداية لحقبة جديدة من التعاون العالمي.
إن المعركة ضد الوباء الحالي سينقشع غبارها عن عالم أقل انفتاحا وأقل ازدهارا ًوحرية نظراً لتضافر عوامل عدة، من ضمنها التخطيط غير المناسب والقيادات التي تفتقر للكفاءة مما يضع البشرية على مسار مثير للقلق.
الحلول التي أنصح بها ما يلي:
- أن شركات القطاع الخاص عليها أن تسعى إلى ضمان توفير إمداداتها بشكل أفضل.
- أن الأنظمة الصحية عليها أن تعيد تنظيم نفسها بشكل مفيد.
- أن الدول عليها أن تفكر في تأمين استقلالها فيما يتعلق بالمنتجات الإستراتيجية.
- إجراء بعض التعديلات على نظام الحياة.
- الاتفاق على سلة عملات يكون الدولار طرف فيها تعتمد على العملات الالكترونية.
- الاستعداد لتطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي كنظام عالمي بديل للنظام الرأسمالي الحالي
- أن يتم الإستعداد لإحداث تغييراً في النموذج الاقتصادي والاجتماعي.
- أن يتم إعادة بناء الثقة بالعولمة والتجارة الدولية ليحدث انتعاشا اقتصاديا يؤثر بقدرته على المنافسة في أي مكان من العالم.
- إن على الدول إعادة النظر في كل القوانين بما يتناسب المرحلة القادمة.
- إن على الدول أن تضع نظم قوية سياسية واقتصادية وصحية فريدة، بحيث تفوز على الدول التي خرجت بنتائج مختلفة ومدمرة في معركتها ضد كورونا .
- يجب على الجميع أن يعالجوا جراحهم وامتصاص الصدمة حتى يستمر كل شيء كما كان عليه.