كيف نحيا ؟!
إن الجواب على هذا السؤال يكمن في جواب على سؤال أشد أهمية منه وهو سؤال:
لماذا نحيا؟!
وبصيغة أخرى ما الهدف من الحياة؟!
الحياة التي نعيشها بفرحها وترحها وسرورها وألمها إما أن يكون وراءها هدف يستحق أن نحيا لأجله، أو أنها عبث ولا معنى ومن ثم يصعب التأسيس لمنظومة أخلاقية في حياة عبثية تبرر فيها المجازر والحروب.
إن الجواب على سؤال لماذا استنفذ مداد أقلام الفلاسفة منذ فجر التأريخ في أثينا إلى العصر الحديث.
فمن رأى أن هدف الحياة هو تحقيق المتعة والهروب من الألم، وهو رأي بعض فلاسفة الفكر المادي ك" إبيقور" و" هولباخ". ل"علي عزت بيجوفتش" تعليق لطيف على هذه العبارة يقول فيها ما نصه:
"في محاولة المادية لتأكيد الطبيعة الحيوانية عند الإنسان تبدي إهتماما أكثر مما ينبغي"
وشرح عبارته بإيراد مثال حاسم وهو إصرار المفكر "إنجلز" على جعل العلاقات الجنسية حرة حرية كاملة - في وقت ما من التاريخ- فكل إمرأة لجميع الرجال، وكل رجل لجميع النساء. لتتحقق البهيمية في أبهى صورها.
المنظومة الإسلامية جعلت العبودية هي الغاية والهدف الأسمى من الحياة ، بل جعلته مركزية تستمد منها التصورات وتفسيراتها. فالعبادة تعرف الإنسان بنفسه وتحدد غائيته بالعبودية المحضة للخالق ليتحرر من عبادة ذاته ومن عبادة غيره.
إن مفهوم العبادة في التصور الإسلامي مفهوم شامل تقوم على إقامة الحياة كما يريد الله؛ وهو ألا يخرج المرء في مساره في الحياة عن الطريق الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى.
تأمل كيف بين الله سبحانه وتعالى الهدف من الحياة غاية التبيان فقال: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (سورة الذاريات الآية: 56).
فالعبادة غير منحصرة في طقوس كالصلاة والحج والنسك وغيرها من العبادات، بل تتعداه لتشمل الممارسات الحياتية التي لا تجسد فيها العبادة لله على هيئة مقصودة بالتقرب كالأكل والشرب والزواج والصداقة والإبتسامة والمحبة وغيرها فقال عز من قائل: ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (سورة الأنعام الآية: 162).
فما دام المرء يعيش حياته وفق مراد الله فهو في عبادة؛ وأدل دليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم:( .. وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله: أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟
قال: ارأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟
قالوا: بلى.
قال: ( فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)
فجعل إستمتاع الرجل بشهوته وفق المسار الذي رسمه الله له عبادة سامية يترتب عليها الأجر والثواب.
وكذلك كل نوع من المعروف وفعل الخير والمباحات؛ صدقة وعبادة، فالإصلاح بين الناس وعمل الرجل بيده، والاجتهاد في الدراسة، وإماطة الأذى عن الطريق، وإعانة الرجل على دابته، وحسن الخلق، والبشاشة والكرم وغيره،عبادات نتقرب بها إلى الله.
والقاعدة المقررة أن المباحات تصير عبادات بالنيات.
والعبادة في المنظومة الإسلامية تفسر الألم والحزن والتعب والوصب والمصائب على أنها اختبار إبتلاء يصيب المؤمن على قدر صلابة إيمانه وقربه من ربه، وأنها قربة ومكفرات للخطايا ورافعات للدرجات ففي صحيح البخاري، قال النبي صلى الله عليه وسلم:( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عن خطاياه) وفي صحيح مسلم إشترط الإيمان والعبودية ليتحقق هذا الشرف والثواب فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير - وليس ذلك إلا للمؤمن- إن أصابته سراء فشكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر فكان خيرا له).
فالعبادة بهذا المفهوم الشامل تجعل لحياتنا معنى يستحق أن نحيا من أجله ونناضل في سبيله.