تتوالى الاتهامات والسهام الموجهة نحو الحجاب بين حينٍ وآخر. وبينما ينبري المخلصون للدفاع عنه، تدور الشكوك في عقول بعض الملتزمات به، وتتصارع الفتيات مع فكرة ارتدائه أو الالتزام به وبمتطلباته كما تصدمنا كل يوم أعداد الفتيات اللاتي يخلعنه. في هذه المدونة، نتناول موضوع الحجاب كفلسفة وما يمكن أن يقدمه للمرأة، والمجتمع. أدعوكم لنلقي نظرة على بعض الاتهامات حوله، والتي من خلال التعامل معها، يمكن أن نكتشف مقاصده.
التهمة الأولى: الحجاب يقمع المرأة ويجعلها قليلة الحيلة
ينتشر في الغرب تحديدًا أن الحجاب هو قمع للمرأة المسلمة وأداة لسلب إرادتها وتقليص قوتها. ولا نتحدث هنا عن إجبار الأهل للفتيات على ارتدائه كدليل على القمع. ولكن يعترض المعترضون حتى على من ترتديه باختيارها ويعتبروها قليلة الحيلة ومقموعة. ولقد أعجبني تناول الباحثة داليا مجاهد لهذا الاتهام عندما استضافها "تريفور نواه"، مقدّم البرامج الشهير. قالت داليا إذا كان البعض ينظر إلى الحجاب على أنه يسلب قوة المرأة، فأنهم ولا بد يفترضون أن قوة المرأة هي في إظهار مفاتنها التي يخفيها الحجاب.
وهذا يعني أن المرأة غير قوية إلا إذا أظهرت مفاتنها وأن هذه هي قوتها الوحيدة. نعم، إن هذه النظرة للمرأة تسلب المرأة قوتها الفكرية، والإنسانية، وتتجاهل شخصيتها، وهويتها، وإسهاماتها، وكيانها المتكامل وتحصر وجودها فقط في هذا الوجود المادي المعتمد على مفاتن الجسد.
وما يفعل الحجاب عكس ذلك تمامًا، حيث يستر ويحجب تلك المفاتن ويجبر من يتعامل مع المرأة على أن يتعامل معها على أساس إنساني بحت لا علاقة له بالإعجاب أو الانجذاب الظاهري.
ومن المُستائين من يقول إن هذا يعني أن مفاتن المرأة أمرٌ مُشين يجب الخجل منه أو إخفاؤه! ولكن لماذا يفترضون هذا كتفسير لفرض الحجاب؟ هل عندما يخفي أحدنا مقتنياته الثمينة، يعني هذا أنه يخفيها لأنه يخجل من إظهارها؟ المرأة المسلمة غير مسؤولة عن تفسير الآخرين للأحداث. ولكن، عليهم ألا يزعجوها بهذا التفسير أو يفرضوه عليها. ثم أننا نعاني من أزمة ازدواجية المعايير. فدورة الألعاب الأولمبية بطوكيو ليست منا ببعيد. لقد نال فريق نساء النرويج لكرة اليد للشاطئ الإعجاب والتقدير والدعم لرفض عضواته ارتداء الزي الرسمي للعبة وهو "بيكيني" للسيدات. ورغم أنه تم تغريم عضوات الفريق من قِبل الاتحاد العالمي لكرة اليد الذي يفرض هذا الزيّ، إلا أنهن نلن الإعجاب والدعم لموقفهن الشجاع ضد استغلال المرأة ومعاملتها كسلعة للعرض من قِبل الأولمبياد. كما أصرّت عضوات فريق الرياضة البدنية gymnastics الألماني على ارتداء زيّ بدلة كاملة تغطي الجسد حتى الكاحل اعتراضًا على إبراز مفاتن المرأة والجانب الجنسي لطبيعتها sexualization في مجال الرياضة. ولاقى الفريق استحسانًا أيضًا على هذا الفعل وتعالت الأصوات بضرورة مراجعة لوائح الزيّ الرسمي للرياضات المتنوعة لتكون فقط تدعم وظيفة الزيّ فيما يتناسب مع نوع الرياضة ويقول المحتجون أنه لو كانت ملابس المرأة الكاشفة زيادة عن اللازم لها وظيفة حيوية biomechanic function تحسّن الأداء الرياضي، لكان الرجال يلتزمون بنفس الملابس أيضًا! فهل إصرار المرأة على تغطية نفسها في هذه الحالات، هو دليل قمع لها أو مؤشر على خجلها من أنوثتها؟ أم هو دليل حريتها، وقوتها، وسيطرتها على جسدها وعلى أنوثتها، ورفضها النظر إليها كسلعة؟
وللإنصاف، على المرأة المسلمة، من جهة أخرى، ألا تتخذ من الحجاب حجة للتكاسل أو أن تنظر إليه كعقبة في طريق النجاح، فتعزز بذلك فكرة القمع.
التهمة الثانية: الحجاب عادة قديمة عفا عليها الزمن
بعض المعترضين على الحجاب يسألون سواء بفضول حقيقي أو باستنكار: "لماذا اليوم وفي عصر التكنولوجيا، والتطور، والازدهار العلمي، تصر المرأة على ارتداء زي كان منتشرًا في أيام أقل تطورًا وكان عادة في عصور قديمة؟ وهنا نقول إن فلسفة الحجاب يقوم بعضها على فكرة الانجذاب للمرأة بسبب مفاتنها، وانشغال المرأة نفسها بإبراز تلك المفاتن وتقييم نفسها على أساسها. وهذه الغريزة الأصيلة في الرجل والمرأة، لا تتغير مع الزمن. إن رب التشريع جل جلاله يشرّع بناءً على علمه اللامحدود واللانهائي بطبيعة من خلق. وهو علم لا ينتظر تطورات العصر ليتجدد ويزداد. هو علم ثابت كامل وليس كعلم البشر الذين يطورون من أدواتهم، كلما بلغوا من العلم المزيد فيركبون السيارات، والقطارات، والطائرات بدلاً من الدواب عندما يتطور علمهم المتغيّر بتغيّر الزمن.
لذلك ففرض الحجاب، لا علاقة له بالزمن، فهو تشريع ثابت مادامت الطبيعة البشرية الأصيلة لا تتغيّر. كما أن القيم والأخلاق لا مجال للعبث بها ولا تتبع التطور، العلمي والتكنولوجي.
التهمة الثالثة: الحجاب يغطي المرأة ويعاقبها لحماية الرجل
من الافتراءات المنتشرة أيضًا حول الحجاب، أنه فُرض على المرأة لحماية الرجل منها، ولحمايتها من مضايقات الرجل. وبالتالي، فإن الإسلام هكذا يعاقب المرأة ويجعلها هي تتكبد المشقة من أجل حماية نفسها ومن أجل حماية الرجل بدلاً من أن يقوم الرجل بالتحكم في نفسه والالتزام بعدم إيذائها. يثير هذا القول اشمئزاز غير المسلم، وغضب المسلمة إذا اقتنعت بذلك فهو فيه من الظلم لها الكثير. وفي هذا القول عدة افتراءات.
فمن حيث المبدأ وقبل الدخول في عمق المغالطة، نعم على الإنسان حماية نفسه وحماية مقتنياته وتقع عليه مسؤولية ذلك. كل من يقتني بيتًا خصوصًا في البلاد الغربية، يعلم تمامًا أنه عليه شراء جهاز إنذار، وتثبيت كاميرات مراقبة، وشراء نظام أمني مرتبط بالأجهزة الأمنية، وذلك لحماية البيت من السرقات. ويعلم أنه هو من عليه أن يتكبد كل تلك التكاليف، والتأكد الدوري من صلاحية نظام الحماية بالرغم من أنه، إذا استخدمنا نفس المنطق، ليس عليه أي من هذا، وعلى الآخرين أن يلتزموا بالقانون، وألا يقترب أحدٌ من بيته! بل وتُعطي قوات الشرطة الإرشادات للمواطنين دومًا بعدم السير مساء في مناطق غير مأهولة وحدهم وألا يتزينوا بالحُلي اللافتة للنظر. لماذا؟ أليس من حقهم التجول بحرية وقتما، وأينما يشاؤون، وعلى الآخرين الالتزام بالقانون وعدم مضايقتهم أو الاعتداء عليهم؟ إن هذا الافتراض سخيف ولا يتسم بالعقلانية. إن المسؤولية تقع على الفرد لأخذ كل الاحتياطات اللازمة، وطبعًا على القانون أن يعاقب كل من يعتدي على الآخرين، أو ممتلكاتهم. ولكننا نتحدث عن ضرورة اتخاذ إجراءات حماية استباقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن عفة المجتمع وحماية الفرد والمجتمع هي مسؤولية مشتركة. فما المانع أن يتحمل كل من الرجل والمرأة المسؤولية للقيام بتلك الحماية للجميع؟
ثم نأتي للنقطة الأهم. إن هذا القول يفترض أن الحجاب فُرض على المرأة من أجل الرجل. وهذا غير دقيق. فالحجاب له فوائد عدة للمرأة نفسها. إن بعض النتائج الإيجابية والمصالح المترتبة على التزام المرأة بالحجاب، ليس للرجل علاقة بها أبدًا. وسأطرح عليكم السؤال التالي كما طرحته على بعض أصدقاء مشروع "سلام": لماذا ترتدي المرأة الحجاب عندما تصلي وحدها في المنزل وعندما لا يكون هناك رجال؟
يقول د. محمد عبد الهادي أحد أصدقاء سلام، أنه ربما هذا تدريب للمرأة وتحبيب لها على ارتداء الحجاب. فهذا يُعطي المرأة غير المحجبة فرصة لرؤية نفسها بالحجاب وللالتزام به حتى ولو أوقات الصلاة فقط. كما يساعد هذا الفتيات الصغيرات على التعود على فكرة الحجاب عندما يرتدينه دومًا للصلاة. وهذا رائع، ولكنه قد لا يفسّر الفائدة العائدة على المرأة المحجبة التي ترتدي الحجاب أثناء الصلاة وحدها في المنزل. وهذا ينبهنا أن أحد التفسيرات يمكن أن يكون فائدة ما للمرأة نفسها من الحجاب. هنا ننتبه لبعض الأبحاث التي تتناول صورة كل من الرجل، والمرأة عن جسده. معظم الأبحاث التي اطلعت عليها تشير إلى اهتمام المرأة بشكل أكبر من الرجل بصورتها عن جسدها وتأثير ذلك على صحتها النفسية. المرأة دائمة المراقبة لجسدها، والنقد له، والانتباه والإصابة بالحرج أمام الناس إذا كانت هيئتها مخالفة للصورة التي تحبها لنفسها. فهي دائمة التفكير في تقييم الآخرين لجسدها، وهي أكثر وعيًا بعيوب جسدها مقارنةً بالرجل.
وفي إحدى الدراسات ، تبين أن الرجل ينظر لنفسه في المرآة عدد أكبر من المرات يوميًا مقارنةً بالمرأة. ولكن تشير الدراسة إلى أن المرأة، وإن كانت تنظر لنفسها عدد مرات أقل من الرجل وفق تلك الدراسة، هي تنظر وترى العيوب فورًا ويؤثر هذا سلبًا على صورتها عن نفسها وثقتها بنفسها. بينما الرجل ينظر ويتأمل معجبًا بالمواطن محل الإعجاب بجسده. وهو في النهاية لا تتأثر ثقته بنفسه بسبب المظهر كالمرأة. حتى في الأطفال، وجدوا تركيز الفتيات على صورة الجسد أكبر من تركيز الصبية. كما تُظهر الدراسات أن الرجل يهتم أكثر بوظيفة الجسد وقدرته على إتمام ما يود إتمامه من مهام مقارنة بالمرأة التي تنظر أكثر لشكل الجسد وتتأثر سلبًا بصورته.
كل هذا يعني أن جسد المرأة هو من أكبر المُشتتات لها. فإذا رأت نفسها جميلة، افتتنت به، وبتجميله وبإظهار جماله. بل ولا يخفى على أي سيدة كمّ الألم الجسدي وعدم الراحة المصاحبين لارتداء الأحذية ذات الكعب العالي، والملابس الضيقة التي تكتم التنفس لتحدد شكل الجسم ليظهر أكثر رشاقة، وغيرها من "التضحيات" التي تعطيها المرأة من راحتها، لتظهر في أبهى صورة. وإذا رأت المرأة نفسها غير جميلة، ستتأثر ثقتها بنفسها وتسعى لإخفاء ما تراه عيبًا فيها أو تسعى لتجميله وتنشغل برأي الناس في هيئتها.
إذًا الحجاب يساعد المرأة على أخذ إجازة من التشتت بسبب جسدها ويركز جهدها على المهام التي تؤديها، سواء العبادة أو في العمل، ويخلّصها من قلقها الدائم بشأن ما يظنه الآخرون بخصوص مظهرها.
وتضيف الدكتور ألفت طاهر، صديقة "سلام"، أن المرأة في الغرب عندما تود أن يأخذها الناس على محمل الجد في العمل، فإنها ترتدي بدلة مشابهة لملابس الرجال، وتقلل من مساحيق التجميل، وترفع شعرها أو تضمه في شكل غير مغري وتقلل من استخدام الحُلي. تفعل هذا بفطرتها أو بذكائها لأنها تعلم أن كل طريقة للملابس، تترك انطباعًا لدى الآخرين. والحجاب يفعل ذلك بالتحديد؛ يساعد الآخرين على تحديد توقعات أثناء التعامل مع المرأة المسلمة. ففي الغالب سيعني هذا أنهم لا يستطيعون احتضانها أثناء التحية كما يحدث في الغرب، وأنهم لا يستطيعون الابتذال في المزاح معها، وغير ذلك من التوقعات.
النتائج المترتبة على الالتزام بالحجاب
إن فهم كل تلك المقاصد في فلسفة الحجاب، يجعلنا نتعامل معه بنظرة أكثر شمولية لا تقتصر فقط على امتيازات للرجل. ففهم فكرة تخلّص المرأة من الاهتمام غير المرغوب فيه وحمايتها من نفسها وإعطاء بعض السلام لعقلها ودعم تركيزها على المهام والأدوار، من المُفترض أن تشجع المرأة على الالتزام بشروطه لأنها عندما ترتدي الحجاب مع ملابس قصيرة أو ضيقة أو شفافة، لن تتحقق لها الفائدة المرجوة، ولن تتحقق فوائد أخرى كعدم إثارتها لاهتمام غير مرغوب فيه مع احتمال تعرضها لأذى محقق.
يمكننا أن نلخص الفوائد المترتبة على حجاب المرأة فيما يلي:
- فوائد للمرأة وللرجل والمجتمع بعدم إثارة الشهوات، وتحمل مسؤولية عفة المجتمع سويًا؛
- النظر للمرأة كإنسانة بغض النظر عن شكلها، والتركيز على مهاراتها، وفكرها، وإضافاتها لسياق اللقاء معها؛
- حماية المرأة نفسها من التشتت بجسدها، ومن القلق بشأن حكم الآخرين على هيئتها؛
- توجيه المرأة للعناية بعناصر تأثير نافعة للمجتمع كالثقافة، والفكر، والخبرات، والمهارات، بدلاً من التمركز حول تجميل الجسد؛
- وضع حدود واضحة لملابس المرأة. إن ترك الأمر مطلقًا للمرأة في اختيار ما تشاء من الملابس في السياقات المتعددة كالصلاة، والتعامل داخل وخارج المنزل، سيكون كارثيًا بلا شك كما نرى اليوم. فمن الضروري وضع معيار لتلك الملابس للتعبير عن الهوية الإسلامية. وإذا كان الأمر الإلهي يدعو فقط إلى الاحتشام، لأصبح هذا المفهوم نسبيًا جدًا كما نراه اليوم. لذلك من البديهي أن تكون هناك معايير محددة ومعينة للحجاب ككونه لا يشفّ، ولا يصف، وكونه يغطي مناطق معينة من الجسد؛
- تذكير دائم للمرأة بالهوية الإسلامية وبالتصرفات اللائقة التي ينبغي أن تلتزم بها المرأة المحجبة. فالحجاب ليس قطعة من الملابس فقط. بل له مقتضيات تظهر في السلوك أيضًا؛
- تكوين توقعات واضحة عن طريقة التعامل مع المرأة التي تلتزم بالحجاب الشرعي واختصار الكثير من التجاوزات التي يمكن أن تحدث ممن يتعاملون مع المرأة يختبرون فيها حدودها. لذلك من الضروري أن تلتزم المرأة المحجبة بمقتضيات الهوية الإسلامية حتى لا تُفسد هذه التوقعات لدى الآخرين.
وهكذا تتضح لدينا صورة أكثر شمولية عن الحجاب توضّح بعض مقاصده التي نستطيع معاينة نتائجها يوميًا، وتجعلنا نمتن لفرضه وتشريعه.
أخطاء تربوية تنفّر من الحجاب
بعدما عرضنا كل هذا وقبل أن نتطرق إلى أفضل الطرق لتحبيب الفتيات في ارتداء الحجاب، نحتاج أن نتحدث عن بعض الأخطاء التي يرتكبها الأهل والتي قد تؤدي إلى اختلال نظرة المرأة لنفسها، ونظرتها للحجاب.
- من هذه الأخطاء أن نخبرها أنها أجمل بالحجاب أو أننا نقلل من مصاعبه. هذا من ناحية في الغالب غير صحيح، كما أن الفتاة لا ينبغي أن يكون هدفها أن تبدو أجمل فتتفنن في موديلات الحجاب واستخدام الحُلي وغيرها من الممارسات المُلفتة. الحجاب يُفترض أن يقلل الجمال وأن يقلل لفت الانتباه البصري لها، ويقلل من تركيز المرأة على زينتها. كما نحتاج أن نتحدث مع الفتيات دومًا عن مصاعبه وعن أنه جهاد ومجاهدة للنفس وفي ذلك مشقة وصعوبة مما يزيد الأجر ويبني الإرادة والعزيمة بإذن الله. ففي معادلة الفوز في صورة العصر، كان الفوز من نصيب الذين آمنوا، وعملوا الصالحات بناء على هذا الإيمان، ثم تواصوا بالحق الذي عرفوه، والتزموا بالصبر على هذا الحق. وبالفعل نحتاج للكثير من الصبر للثبات على هذا الحق.
- من هذه الأخطاء أيضًا أن نُشعر الفتاة بالذنب تجاه أنوثتها كأن ننزعج إذا أبدت اهتماما بشراء مساحيق التجميل للاستخدام في المنزل أو إذا اهتمت بشراء ملابس كاشفة بغرض الاستخدام في المنزل أيضًا. هذه ليست مؤشرات سوء خلق، بل في رأيي، ينبغي تشجيع الفتاة على الارتياح لإظهار أنوثتها في المنزل في حدود اللائق في حال وجود إخوة كبار، ووجود الأب.
- وغني عن الذكر أن إجبار الفتاة على ارتداء الحجاب، لا يُجدي فهي ستخلعه بمجرد استقلالها أو حتى ستخلعه بمجرد ابتعادها عن أنظار والديها، وستكذب بشأنه، وتكون العلاقة كلها سامة، وغير صحية.
- ومن الأخطاء، من وجهة نظري، في تقريب فكرة الحجاب أن نستخدم أمثلة الذباب الذي يهاجم الحلوى المكشوفة، وأية أمثلة تشير للمرأة على أنها مصدرًا للشهوة فقط، وأن الرجال هم ذباب أو أي مخلوق متدني. ولكن ممكن استخدام أمثلة أكثر صحية كفكرة أهمية حماية المقتنيات النفسية كأن يكون اللؤلؤ في محارٍ مغلق، وكأن نحفظ مقتنياتنا الثمينة في علب مخملية تحفظ رونقها.
- ومن الأخطاء هو إكساب الفتاة المحجبة مقاومة شرسة تدفعها للمزاحمة المبالغ فيها لإثبات أن الحجاب صالح في كل مكان. فنجدها تذهب لصالات الرياضة المختلطة بملابس فضفاضة أو حتى بنقاب وتحاول فرضها على المعترضين مما قد يتسبب لها أصلاً في مشكلات تنفس وتشكّل خطورة إذا علقت تلك الملابس الفضفاضة في أجهزة الركض أو أجهزة الأوزان الثقيلة وشكّلت مشكلة للسلامة. وقد توفيت فتاة في كندا منذ عامين تقريبًا عندما اختنقت بعد أن اشتبك حجابها الطويل في مفصال إحدى الألعاب في مدينة ملاهي. فعلينا أن نكون مُتزنين في بناء الإرادة والقوة بعقلانية، بدلاً من أخذ ردات فعل مؤذية.
- من الأخطاء أيضًا، التعامل السطحي مع نفور الفتيات من الحجاب أو خلع الصديقات له. كأن نحدثهم عن الحلال، والحرام وكأنهم لا يعرفون، ونتجاهل أن ذلك السلوك مؤشرٌ على مشكلات أعمق، كمشكلات في العلاقة بالله عز وجل، أو حتى اضطرابات في الهوية إذا صاحب سلوكيات أخرى كتخبط القرارات، والتطرف الفكري في القضايا العامة، وغيرها من السلوكيات غير المحمودة وخصوصًا إذا ظهرت معاناة نفسية مع كل هذا. نحتاج للتعامل بتعاطف، وفهم ذكي لما تمر به الفتاة حقيقة، وليس بشكلٍ سطحي.
- وهناك خطأ عام بتقديم الإسلام للأبناء عمومًا، وللفتيات خصوصًا على أنه قائمة من الممنوعات. فكل ما يعرفونه عن الإسلام إلى جانب كم كبير من الضغط عليهم (كما يرونه) من خلال الصلاة، والصوم، وحفظ القرآن، وحضور الدروس التي يجدونها مملة، بالإضافة إلى ذلك يجدونه قائمة من الممنوعات في إطار الجسد، والعلاقات، والترفيه. فهل نبحث عن بدائل مُرضية لبناتنا؟ في كندا مثلاً، تقوم بعض المؤسسات الإسلامية بتحضير حفلات خاصة بالنساء فقط، وحفلات تخرج للفتيات فقط يرتدين فيها ما يشتهين من الملابس ويحتفلون مع الوالدات، والصديقات في جو مبهج للسيدات فقط. فهل نسعى لتوفير بدائل لبناتنا؟
هذه فقط بعض الأخطاء التي يمكن أن تنفّر الفتيات من فكرة الحجاب. فما هو الجانب الإيجابي وكيف يمكن أن نحفّز الفتيات على ارتداء الحجاب، والتمسك به؟
أفضل طريقة للتحفيز على الحجاب
من وجهة نظري، لا تستقيم أي طريقة تحبيب للأبناء في التشريع، بدون بناء علاقة وثيقة بينهم وبين صاحب التشريع جل جلاله في المُقام الأول. فمن يعرف الله سبحانه وتعالى، ويحبه، سيحب إرضاءه، وسيحب الالتزام بشغف بكل ما يشرّعه. فالحبيب يحب أن يُرضي حبيبه. نحتاج لتعليمهم معنى "لا إله إلا الله"، وما هي مقتضيات الإيمان بها من أن يتغلب حب الله عز وجل على سائر المحاب كما يقول ابن القيّم وغيرها من المقتضيات.
لذلك فمن المهم قبل أن نعلّم أبناءنا حفظ القرآن الكريم، أن نعلّمهم عن الله تعالى وخصوصًا من خلال أسمائه الحسنى. فإذا فهموا من هو الله، بدأنا معهم في فهم مقاصد الإسلام والتشريع لأن فهم المقاصد كحفظ النفس، وحفظ الحقوق، وحفظ العِرض، وحفظ الحياة، وفكرة الميزان، والعدل، والقسط، الرحمة، وغيرها من المقاصد العامة، سيجعل التشريعات منطقية وسهلة القبول والاستيعاب بإذن الله. ويأتي تعلّم وتدارس وتدبر القرآن الكريم، ودراسة السنّة النبوية الشريفة لاحقًا، لتوضّح تفاصيل ذلك التشريع وتُرسيخ أسس علاقة الفرد بربه جل جلاله، وبنفسه، وبالآخرين.
- إن تشرّب الإيمان بأن الله جل جلاله هو الملك، ومالك المُلك، والمهيمن، له تداعيات في السلوك بلا شك. فتتوطن الطاعة، والعبودية، والخضوع، لأوامر الملك سبحانه.
- كما أن الإيمان بالله جل جلاله الخبير، البصير، العليم، الحكيم، الرشيد، النافع، الهادي يطمئننا إلى وجود حكمة، ونفع، وهداية وراء كل أمر أو نهي حتى إذا لم نفهمه بالكلية.
- والإيمان بالرحيم، الودود، الرؤوف سبحانه يجعلنا نطمئن إلى رحمته سبحانه كمقصد شامل عام للإسلام والذي يتجلى في كل تشريع.
وهكذا سنجد أن كل اسم من الأسماء الحسنى سيقربنا لفهم التشريعات، أو على الأقل التمسك بها وتعظيمها وعدم التمرد عليها ومعاداتها. إن تحبيب الفتيات في الحجاب قد لا يتطلب الحديث عن الحجاب إطلاقًا أو سيتطلبه في حدود بسيطة وحسب فضول الفتاة للمعرفة. ولكنه يبدأ بالتأكيد ببناء العلاقة بينها وبين الله عز وجل.
بعد معرفة الله عز وجل، هناك العديد من الاعتبارات الهامة:
- التأصيل لفكرة مجاهدة النفس، وترك أشياء لله سبحانه وتعالى وتوقع التحديات، والمُغريات، والفتن، والاستعداد لمواجهتها.
- تربية الذكور على بناء منظومة للقيم وتطبيقها كأخلاق وأيضًا تربيتهم على أهمية احترام الحجاب، وتمكين المرأة المحجبة، وعدم إقصائها أو غلق الأبواب في وجهها بسبب الحجاب. هكذا يكون هناك أمل ألا نجد رجلا يرفض تعيين محجبة، أو أن يطلب من خطيبته أو زوجته خلع الحجاب أو يقارنها بنظيراتها غير المحجبات المنفتحات. بل سنجد رجالاً يساهمون في تقديم سياقات آمنة ومريحة للمرأة يمكن فيها استيعاب الحجاب بكل طبيعية، وأريحية.
- الاهتمام بفكرة بناء الهوية ومنظومة القيم ومهارات الذكاء العاطفي التي تساعد الفتاة والشاب على التفكير العقلاني، واتخاذ القرار، وتطوير الثقة بالنفس وعدم اللهاث وراء تغير الهوية لإرضاء الآخرين، وإدارة العلاقات وغيرها من المهارات الهامة.
- توفير بيئة فيها قدوات نسائية سوية أمام الأبناء الذكور والإناث.
- إتاحة علاقات وصداقات للأبناء تشجعهم على الفضيلة وعلى الالتزام بالهوية.
- الاهتمام بالتأصيل لمقاصد التشريع لتحبيب الأبناء في الالتزام بالأوامر والنواهي للمصلحة الشخصية والمجتمعية وإتمام الالتزام بها بعناية وليس بمخالفات واضحة لا تحقق المقاصد.
كانت هذه بعض المُقترحات العامة. ماذا أيضًا في نظركم؟
لماذا ترتدي المرأة المسلمة الحجاب؟
لا أعتقد أنه توجد إجابة نموذجية على هذا السؤال! فبناء على نية السائل، قد لا تهمه أية إجابة أو تقنعه. بالتأكيد ممكن أن نتحدث عن المقاصد، وعن كل النتائج الإيجابية المتحققة للمرأة وللمجتمع والتي سبق ذكرها. ولكن في حقيقة الأمر وباختصار هو طاعة للخالق عز وجل، وتعبير عن الهوية البصرية للمرأة المسلمة.
فلكل ماركة، هوية بصرية مميزة. ولكل ثقافة قوية، هوية بصرية مميزة. ولكل كيان قوي، هوية بصرية مميزة. بدايةً فريق لاعبات في الألعاب الأولمبية أو فريق كرة قدم، إلى كل المؤسسات والشركات الكبرى التي إن لم تحدد زيَا موحدًا، تحدد بالتأكيد سياسة لمعايير الملابس المقبولة dress code. وبالتأكيد يشمل ذلك أصحاب الانتماءات المتعددة كفرق الموسيقى والمنتمين للديانات. خذ على سبيل المثال المنتمين لعقيدة السيخ. الملتزمون منهم بتلك الهوية، لهم هوية بصرية قوية لا يُخطئها أحد. فإلى جانب غطاء الرأس المميز للرجال والنساء، هناك 5 عناصر ظاهرة لهويتهم البصرية: منها سوار معدني يرتدونه طوال الوقت كتذكير باتباع أوامر قائدهم الروحي طوال الوقت. ومنها مشط خشبي للشعر عليهم استخدامه مرتين على الأقل في اليوم وحمله معهم في كل الأوقات كتذكير بأهمية النظافة. ومنها خنجر معقوف صغير يتم حمله طوال الوقت كرمز لاستعداد المؤمن بتلك العقيدة للدفاع عن المظلوم في أي وقت. وهكذا.
لكل كيان قوي، هوية بصرية قوية تميّز المنتمين لهذا الكيان وتحدد توقعات التعامل معه. والحجاب على كل نتائجه الإيجابية، هو أيضًا تمثيل بصري لتلك الهوية الإسلامية وتذكير بكل مقتضيات العمل بها. الحجاب فلسفة كبيرة وليس قطعة من القماش.