عرف عالمنا العربي والإسلامي مئات لقاءات القمة من صدر الإسلام حتى الآن، وكان القاسم المشترك بينها جميعا أن أيا منها لم يخل من دور ريادي لإبليس. فهل نستعيد ذاكرة أول مؤتمر قمة بريادته لعنه الله عشية الهجرة إلى المدينة، وما فعله بمن ساروا في دربه يوم بدر؟
لإبليس خبرة طويلة في عقد مؤتمرات القمة العربيَّة، منذ مؤتمر دار الندوة الذي كانت له فيه الرئاسة والتوجيه لزعماء قريش وهم يقاومون دعوة الله ورسوله، ويحاربون القرآن بمكة، وظلوا يعملون بتوجيهات منه كذلك بعد أن هاجر النبي إلى المدينة المنورة، يشنون حربًا تلو الأخرى، ويدبرون مؤامرة بعد الأخرى؛ لمحاصرة القرآن، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحيلولة دون انتشار الإسلام، ووصول الرسالة إلى من يستحق أن تصل إليه، وهذه الخبرة الطويلة أخذ يوظفها في مؤتمرات القمة التي تعقد برئاسته، وتحت مظلته، المرة تلو الأخرى في سلسلة متواصلة حتى اليوم.
ولاتزال الصدارة بين تلك المؤتمرات المليئة بالمكر الذي ينقلب بقدرة الله تعالى، ويحيق بمدبريه بفضل من الله تعالى لذلك المؤتمر الذي وسوس به إبليس لقادة قريش في دار الندوة وأوحى إليهم فيه بغرور فكرة اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقتله، وحين تهيبوا ذلك وخافت كل قبيلة منهم أو بيت من بيوتهم أنَّها لو انفردت بقتله سوف تتعرض لسلسلة من الحروب مع بني هاشم، وبني المطلب، ومع أحلافهم من قبائل قريش، ولن يكون رد الفعل يسيرًا ولا بسيطًا، فجاء أبو مرة إبليس بفكرة أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائلهم شابًا جلدًا، وذا خبرة بالغة باستعمال السيف، فيجتمعوا ليضربوا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مرة واحدة ضربة قاتلة لا ينجو منها، ولا يمكن لأحد من أبناء القبائل أن يتنصل من مشاركته في تلك الضربة الخائبة، فأوحى الله إلى نبيه بما اقترحه إبليس عليهم، وبما تعاهدوا على تنفيذه، وأمره بالهجرة إلى المدينة المنورة، وأوحى إبليس إلى حلفائه بأن يطاردوه، فلعلهم يدركونه قبل أن يصل المدينة، ويقضون عليه.
وخيب الله ظنونهم جميعًا، وباء الشيخ النجدي بالخسران، وخيبة الأمل، واهتزت ثقتهم به، وأدركوا أنَّه رغم وجاهة ما يأتيهم به من مقترحات لكن شيئًا منه لم يصب ولم ينل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نيلًا. واستمرت المحاولات وأبو مرة لم يتوقف لحظة عن تقديم أخطر المقترحات إلى سادة قريش وقادتها، حتى قادهم إلى حتفهم في معركة بدر الكبرى، وقال لهم: إنِّي جار لكم،﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(الأنفال:48) أي يجيرهم ويحميهم من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأتباعه.
فلما تراءت الفئتان ورأى قوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه، ورأى الملائكة تحفه وجنده من كل ناحية، نكص أبو مرة على عقبيه، وقال لقادة قريش: إنِّي أرى ما لا ترون، إنِّي أخاف الله، وتركهم يلاقون حتفهم في تلك المعركة الخاسرة التي زعم أنَّه سيكون جارًا لهم وينتزع النصر لهم.. وسيظل هذا هو ديدنه أبد الدهر .. يمكر، ويبتلى المؤمنون بمكره .. وينجي الله الذين آمنوا بفضله وكرمه. ويحيق المكر السيء بأهله في كل جولات الصراع الأبدي بين الحق والباطل.